أولا، مبارك عليكم الشهر، ثانيا، آن لنا أن نتوقف لالتقاط الأنفاس، ففي فورة التدافع على شؤون الحياة اليومية لم يفرق كثير من الناس بين الغاية النهائية لهذه الحياة وبين «الأدوات» التي بين يديه من أمور الدنيا، أو مما يصارع غيره للحصول عليه من تلك الأمور، فهذه «الأدوات» انما خلقت لاختبارنا، فهي أشبه بالكرة التي يضربها اللاعبون في مباراة حامية، كل منهم يريد أن يفوز فيها، بعد شهور تكون هذه الكرة تالفة وربما مقطعة لكثرة الضرب والركل، لا قيمة لها، إذن لم يكن الركض وراء الكرة مقصودا لذات تلك الكرة التي ليست لها قيمة، فليست هي أكثر من أداة لمعرفة الفائز، هذه الصورة تنطبق على البشر الذين يتعاركون على منصب أو قطعة أرض أو يتباعدون في كراهية بسبب كلمة، جميع تلك الأشياء هي أيضا أداة لاختبار كل منا، ويكون الفوز من نصيب الذي يراقب الله في تصرفاته، أما تلك الأدوات من منصب أو مال أو زوجة أو نفوذ فجميعها يتلاشى خلال سنوات قليلة ولا تعود لذلك المنصب أو العقار أو الجاه أي قيمة حتى في الحياة الدنيا فضلا عن الآخرة، بينما يكون اسم الفائز الفوز الأبدي قد تثبت، وانظر ان شئت الى أبطال معارك المناصب بعد سنوات قليلة، لا يعرفهم حتى جيل أبنائهم، وانظر الى تلك الأموال وكيف تبددت في زلازل الأسواق، وانظر الى شهوات الجسد بعد أن يتحول الجسد الى هيكل كأنه شبح، كلها تتبدد، وأما نتائج الفائزين الأبديين فإنها تكون قد ثبتت بين الخالدين من أخيار البشر.
تلك هي قصة الحياة، حينما جمع الله عز وجل «الأدوات» الأرضية كافة التي تستخدم لاختبار البشر في قول جامع (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا).. هكذا، كل هذه البيوت والمنشآت وجميع ما على الأرض من أموال وأولاد، وأي شيء يصلح لجذب انتباه البشر، إنما هو (.... زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) وهذه كلها سوف تسحب بعد أن ينتهي الغرض منها (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات) وتنصب الموازين، عندئذ يكتشف الإنسان المغرور (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه).
آن الأوان أن نضع تلك «الأدوات» في حجمها الطبيعي، فقد تضخم حجمها حتى خدعت كثيرا من اللاعبين، وصار بعضهم يحتضن الكرة ويركض خارجا من الملعب فرحا بها (...)، ناسيا دورها الحقيقي، والناس ينظرون اليه مستغربين سوء فهمه لدور «الأدوات» فهو يسرق المال ـ الأداة ـ ويقول مالي مالي، «وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت؟»... عليك يا ابن آدم أن تكف عن ترديد الإعجاب الزائد بالأدوات، ارفع رأسك وانظر إلى الأمام، انظر جيدا الى أين تأخذك هذه «الأداة».
كلمة أخيرة:
قال إمام مسجدنا، مشكورا:- «من لم يبيت نية الصوم فلا صوم له، وتكفي نية واحدة من أول يوم في رمضان، والنية محلها القلب».. كلام جميل يفرق به المرء بين الصوم كعبادة، والامتناع عن الطعام لأهداف ليست من بينها العبادة.. تقبل الله منا ومنكم صالح العمل.
[email protected]