فيصل الزامل
لدينا في الكويت قطاع خاص، في أكثره يتسم بالكسل، فهو ميال الى النشاط المضاربي في أسواق الأسهم والعقار، قليل الاكتراث بالأنشطة الخدمية ذات القيمة المضافة، مصدر رزقه الأساسي هو التضخم في أسعار العقار وسائر الأصول كنتيجة للبترودولار، هذا القطاع، أو أكثره يستفيد من الدولة، ولا يفيدها، اذا تجاوزنا حالات استثنائية تتبرع بها شركات، غير ان القيمة المضافة في صلب نشاط هذه الشركات غير متوافرة، فهي إما تمول المستهلك، أو تعتاش على التضخم واذا حصل بعضها على قطعة أرض بتكلفة رمزية أعاد تأجيرها أضعافا كثيرة على المواطنين، فتستأجر بـ 3 دنانير بالسنة للمتر، لتؤجره بعشرة في الشهر، أي 120 دينارا، أي بـ 40 ضعفا.
مواقع أخرى خدمية يتم تخصيص مواقعها لأكثر من شركة كي تديرها بدلا من الشركة الحكومية، ويمر عام وعامان، والخدمة لم تتغير لا في النوع ولا في الجودة، علما ان مثيلاتها في دول الخليج حولت تلك المواقع الى استراحات جميلة متعددة الخدمات، للسيارات والركاب.
اليوم، يبشرنا القطاع الخاص برفع أسعار المواد الغذائية، ويسوق علينا مبرراته في صورة مادة خبرية محشوة بتقارير من هنا وهناك، دون طرح الحلول، في بلد لا تتجاوز فيه الضريبة على الواردات 4%، ويتمتع بقنوات تسويق سلسة عبر الجمعيات التعاونية وأنظمة سداد للتجار تميل الى الانتظام، ما هو دوركم في تخفيف آثار ارتفاع السعر العالمي؟!
لقد نجح القطاع الخاص الكويتي في عهد ما قبل النفط في توفير المؤن والسلع إبان الحربين العالميتين، في أقسى الظروف، عبر اسطول النقل التجاري واليوم صرنا عالة على الغير في الخدمات اللوجستية، كالنقل والتمويل التجاري والشراء الجماعي، بما ينعكس على خفض تكاليف الاستيراد.
ان المقارنة بارتفاع الأسعار في أوروبا وسائر الدول الصناعية هي قياس مع الفارق، حيث أسعار العمالة ليست كما هو الحال لدينا، والضرائب عندهم تضاف على قيمة المشتريات وهي تتراوح بين 17% و 25% على المواد الغذائية، ولا يوجد شيء من هذا القبيل في بلادنا.
نعم، يوجد تضخم مستورد، ولكننا نملك الخيار، كون أسواقنا مستهدفة بين المتنافسين، المواشي مثلا عندما واجهت مشاكل في استراليا ونيوزيلندا، اتجهت الى الصين. المصدرون من الأرجنتين والبرازيل، للفواكه والحبوب وغيرهما، يتنافسون فيما بينهم للاستحواذ على الأسواق، ذات القدرة الشرائية المرتفعة، واذا لم يجد الموردون رادعا محليا عن رفع الأسعار، فإنهم لن يفاوضوا للحصول على شروط أفضل، ولن يرسلوا وفودهم لفتح قنوات جديدة، كل ما عليهم هو تعديل الأرقام في آلة طباعة السعر على تلك المعلبات والصناديق والأكياس، بعد تمهيد الأجواء إعلاميا!
فإذا واكبت ذلك زيادة في الرواتب تغذي هذا الاستغلال لميزانية الأسرة كي تفاقم من مشكلة الغلاء، فإننا ندخل في نفق معتم شارك في حفره قطاع خاص كسول وبرلمان «مسير» ورقابة حكومية تتعامل مع المشكلة عند المصب، بدلا من المنبع.
لقد كانت للمستهلكين وقفة شعبية جادة - عبر الجمعيات التعاونية - مع أسعار البيض، أعادت الأمور الى نصابها، ونحن بحاجة الى وقفات متكررة حتى ينفض هذا القطاع الغبار عن الفراء المخملي، وينزل الى الميدان، ويكرر ما فعله الآباء والأجداد في ظـروف أشد قسوة بمرات كثيرة مما يعيشه هؤلاء اليوم.