فيصل الزامل
لم تحقق الجماعات الإسلامية المشتغلة بالعمل السياسي إنجازا يذكر في وارد دعوتها لاعتبار الإسلام يتضمن الأسلوب الأمثل الواجب تطبيقه في سائر مجالات الحياة، وذلك في مجال عملها السياسي حيث لا تجد مرتكزا شرعيا لمواقف تلك الجماعات ولا هي تتحدث في أي من مواقفها عن الأساس الشرعي له، ومع وجود مرتكزات بارزة في الشريعة الإسلامية الغراء، إلا أن البحث عنها والمطابقة بين النظرية والواقع لم يكونا واضحين في العمل السياسي لتلك الجماعات، الأمر الذي أزال الفارق بينها وبين أي مجموعة أخرى تتحرك بحرية وفق النظرية السياسية التقليدية في كل ما تحمله من مضامين قد تتفق أو لا تتفق مع الشريعة الإسلامية.
في العمل الاقتصادي نجحت الحركة الإسلامية غير الحزبية في تحقيق انجاز - مهما قلنا عن وجود أخطاء فيه - انطلق من تصور شرعي ومتابعة حثيثة تقوم بها لجان تبحث في كل قضية، وتلتقي على مستوى جماعي في مؤتمرات سنوية محليا وإقليميا، وفي الحديث الشريف «لا تجتمع أمتي على ضلالة»، ولو أن المشتغلين في الحقل السياسي من الجماعات الإسلامية العاملة وفق المنظور السياسي التقليدي - الأحزاب - حرصوا على القيام بمجهود مماثل لكشف لهم البحث العلمي عن ثراء لا حدود له،
ولا يعني ذلك أن الدولة الفاضلة ستقوم، فالبشر هم البشر، إلا أن البشر ارتضوا وجود قواعد قانونية لاستقرار الفصل في المنازعات والخلافات، ومن الأولى أن يكون لتلك القواعد امتداد يستمد قوته من الثراء الذي حوته الشريعة الإسلامية الغراء.
الخلاف في المسائل السياسية ليس كما في الاقتصاد، سهل القياس ماديا، بل هو يغوص في أعماق النفس البشرية، الأمر الذي يجعل للبعد الديني دورا في تعقب جذور الخلاف والنزول الى باطنه، وهو ما يعبر عنه الشعار المعروف «العلة في النفوس، لا في النصوص»، ومن التقصير مع هذه الأمة أن نترك صيدلية كاملة نجحت في تشخيص العلل، (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة)، ومع ذلك يشيح البعض بوجهه عنها بدعوى عدم وجود حبوب دواء جاهزة ومصنعة ومغلفة في الصيدلية الإسلامية كما هو الحال في الصيدلية «التقليدية»،
ولا يلتفت الى فشل تلك الأدوية واستفحال الأمراض بسبب عجزها عن العلاج، والأهم من ذلك أن يتذكر هذا البعض أنه جاء الى الساحة حاملا مسؤولية تفعيل تطبيق الشريعة الإسلامية في كل مجال، والواقع يقول إنهم استثنوا العمل السياسي وصاروا فيه تابعين، يتنصتون على غرف اجتماعات الآخرين ليكرروا قولهم.
لقد أدركت بقية الفئات العاملة في الساحة السياسية درجة الخواء النظري لدى الإسلاميين في هذا الميدان، فأحسنوا توجيههم في كل مناسبة الى المكان والزمان اللذين أرادوهما، مستخدمين أدواتهم، في ظل غياب الرأي الشرعي القائم على دراسات تُعدّ وتُقدم الى مكتب يضم ذوي خبرة في الجانبين العلمي والتطبيقي.
إننا إذا سمعنا نفيا لهذا الانتقاد فسنطالب بنشر نتيجة البحث العلمي في عشر قضايا رئيسة على الأقل تم تطبيق البحث العلمي فيها على المواقف السياسية، والرأي الشرعي ليس من أسرار العمل الحزبي فهو علم واجب النشر، وإن لم ينشر فلا وجود له.