فيصل الزامل
لم يكن ممكنا ان تستمر هذه الظاهرة في مملكة البحرين دون ان يتدخل احد، بدأت كمناوشات طائفية بين بعض الشباب عبر مواقع الكترونية تحولت الى تبادل شتائم قذعة ثم انتقلت الى صفحات الصحف عبر الكلام المبطن من هنا وهناك، بل وصل الامر الى التراشق اللفظي في مجلس النواب، ما دعا الملك حمد بن عيسى الى التدخل الفوري، وقد بدأ تحركه الحكيم والحازم بدعوة قادة الرأي في البحرين والشخصيات المعروفة من سائر الاطراف وعرض عليهم موجزا بما رآه وتابعه شخصيا ثم طلب ان يسمع آراءهم، فلما اجمعوا على التنديد بتلك التصرفات اللامسؤولة اوضح لهم انه امام واحد من خيارين، إما التصرف بطريقة أمنية فقط، والتي كانت قد بدأت فعلا بتوقيف 252 من المتورطين في تلك الملاسنات الالكترونية، كما تم اتخاذ اجراءات اخرى مماثلة، او الانتقال نحو المعالجة الشاملة والتي تمر بعدد من المراحل: «بدءا من التنديد العلني والجماعي من قبل الحاضرين في هذا الاجتماع بتلك التصرفات الضارة بوحدتنا الوطنية، يرافق ذلك اطلاق سراح الموقوفين»، وستقوم البحرين ببناء مسجد كبير بين المنامة والمحرق تقام فيه صلاة يشهدها المسلمون من سنة وشيعة «انتم تصلون معا في مكة المكرمة ولا تفعلون نفس الشيء في بلادكم، بأي منطق يحدث هذا؟» ثم اعلن الملك حمد ان خطبة الجمعة ستقام اسبوعيا من قبل خطيب شيعي وسني على التوالي، وسيكون هو في مقدمة المصلين، وقال ايضا: «اسمع كلاما عن تأثيرات خارجية وغيرها، والذي يهمني هو مواجهة مسؤولياتي في الحفاظ على بلدي ايا كانت الظروف» انتهى.
هذا نموذج جميل تحمّل فيه «القائد» مسؤولياته تجاه قضايا الأمن الداخلي عبر خطوات مدروسة، فلا يكفي ان نشخص الاوضاع بغير ان نضع الحلول المناسبة لها ونكتفي بالمراقبة والتردد في القيام بالخطوة المستحقة، فنحن نستند في هذه القضية الى ارضية مشتركة قوية جدا سواء على المستوى الديني او الاجتماعي، يقول لي د.عبدالرحمن السميط: «اذكر اننا في المدرسة الابتدائية سألنا المدرس عربي الجنسية، من منكم سني المذهب ومن هو شيعي المذهب؟ لم يرفع احد يده، سألنا مرة اخرى، انتم مسلمون؟ قال الطلبة نعم، فقال: اذن ما هي مذاهبكم؟ قال الطلبة: احنا كويتيين»، علق د.عبدالرحمن «اهالينا لم يزرعوا فينا التفرقة مثلما يحدث في هذا الزمان، لهذا سمع المدرس منا تلك الاجابة التي صدرت حسب الفطرة»، انتهى.
ان الصحافة تتحمل اليوم مسؤولية كبيرة في تكرار نهج اهلنا - في زمن مضى تحدث عنه د.السميط - بأن تمارس دورا ايجابيا، فهي ليست كالمواقع الالكترونية تتحرك في الخفاء بل لها قيادات وكتّاب يعرفون حجم المسؤولية الملقاة على كاهلهم، وقد رأينا في النموذج البحريني انه حتى تلك المواقع لم تكن بعيدة عن متابعة الدولة لها وذلك للمحافظة على الأمن الاجتماعي وحماية الدولة من تسلل اياد تترصد بلادنا كي تقتات - سحتا - من وراء صراعات وهمية قائمة على الشحن والاستغلال السيئ للقضايا اليومية، فالمطالبة بتحسين الاوضاع هي شأن جماعي لجميع المواطنين، والقضايا الادارية بشأن تجاوز احد في الترقيات تملأ اروقة المحاكم من كل فئات المجتمع، ولا توجد دولة خليجية لا تكافح لمعالجة قضية البطالة، وليس عدلا في حق انفسنا ان يستغل احد هذه الامور لغاياته القصيرة، فمعالجة الممارسات غير السليمة تحتاج الى بذل جهود مكثفة تقوم على التواصل لمحاصرتها وقد رأينا التأثير الايجابي لهذا الاسلوب في دول خليجية كثيرة، بينما لم تحقق القطيعة غير ما نشهده في لبنان وغيره.
كلمة أخيرة:
تابع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري متحدثا من النواب في البرلمان كان يبحث عن تعبير لاذع في حق الطرف الآخر، قال «.. وهؤلاء يتخذون من هذا الموضوع حجة» ثم سكت والتفت الى الرئيس بري قائلا «ممكن اضيف «يستخدمونها كقميص عثمان» وما تشطبها؟» فقال الرئيس بري «يا سيدي حط قميصي انا، وبيكفي» فضحك النواب، وصفقوا، عسى الله ان يديم اجواء المودة، قلت أو كثرت.