فيصل الزامل
ارتبط مفهوم «يوم القيامة» عند البعض بالمسافة الزمنية فهو يؤمن بأنه سيأتي ولكن بعد سنوات قد تتجاوز في أذهانهم الألف بل حتى المليون من السنين، والحقيقة أنه ليس لمقياس المدة الزمنية موقع في هذا الموضوع، فكل من مات وخرج من عالمنا المادي التقليدي قد باشر في اجراءات «يوم القيامة» الذي هو نظام آخر موجود بجانبنا، وان لم يتقاطع مع عالمنا الدنيوي مباشرة، وقد سمع أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صوت دوي قوي فقال لهم ( صلى الله عليه وسلم )«هذا حجر ألقي في جهنم منذ سبعين عاما، لم يبلغ قعرها الا الآن» وازال الشعور بالبعد الزماني ليوم القيامة بقوله «الجنة اقرب الى احدكم من شراك نعله، والنار كذلك» ليس فقط بسبب قول فيه كفر او آخر فيه شهادة، ولكن فعليا الجنة والنار قريبتان منا جدا جدا، وقد رأى الصحابة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يمد يده الى الامام وهو واقف يصلي فلما سألوه بعد الصلاة، قال «كدت اقطف من عنب الجنة».
نحن نعيش كل ليلة تجربة الانتقال الى العالم الآخر، في موتتنا الصغرى، ونلتقي بأناس تركوا نظامنا التقليدي، وربما نقل بعضنا اخبارهم الينا، ومن ضعف الرؤية الا نرى ذلك العالم يقينا قبل ان نراه عيانا (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم، ثم لترونها عين اليقين)، قل لي بربك ما هي فائدة الاكتشاف المتأخر؟ تذكرت ذلك حينما قالوا بعد وفاة الشاعر محمود درويش «ذهب ليستكشف حقيقة الموت»، واذا كان الفراعنة قد آمنوا بوجود حياة اخرى وتركوا بجانب الميت من الآنية والملابس بل حتى الطعام ما يفيده اذا نهض من منامه غير الابدي، فإنهم بلا شك قد آمنوا بالبعث بعد الموت ولكن بغير معرفة دقيقة كالتي حصلنا عليها لما يجري في العالم غير التقليدي الذي نزوره كل ليلة، فقد تعلمنا ان المؤمن عندما يبعث، فإنه اذا قام ورأى اهوال العالم الآخر المخيفة يصاب برعب وخوف فإذا بشخص ذي وجه جميل جدا يقترب منه، ويطمئنه بكل ثقة قائلا «لا تخف، لا تخف، ليست هذه الاهوال لك، انظر مقعدك من الجنة» ويرافقه في جميع مراحل يوم البعث، يهدئ من روعه وينشط من عزيمته فإذا سئل اجاب وهو ثابت الجنان وبصوت واثق «ربي الله، نبيي محمد» بينما يقول غيره «هاه، هاه، لا ادري، سمعت الناس يقولون فقلت».
ان اليقين ليس مفيدا فقط بعد الموت، ولكنه مفيد قبله ايضا، فالفرق كبير بين من يرى ان اعمال الخير التي يقوم بها هي اشبه - في الحسابات التقليدية - بالعمارات او الارصدة النقدية، فإذا كان ذا اعمال صالحة مصحوبة باليقين رأى تلك الاعمال كمثل تلك الارقام والاحجام العملاقة، وبغير اليقين فإنه لا يراها كذلك ويترك الامر لنظرية الاحتمالات «بلكي» بينما تتابع عيناه ارصدة اثرياء تقليديين بالكثير من الاعجاب، ويغفل عن ارصدته هو - الاكثر دواما.
هذا الضعف في اليقين هو خطر يتهدد كثيرا من الناس (وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) حينما يصل ضعف اليقين بالمرء الى حد يتساهل فيه مع ما اعده الله له (يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى).
اذكر انني قرأت للكاتب مصطفى امين «عندما توفي اخي التوأم علي امين لم اتمكن من اعادة التوازن الى حياتي فقد كنت وإياه شخصا واحدا في جسدين، وقد صعب الامر علي تماما الى ان تساءلت، الم يكن يسافر لاسابيع كثيرة ثم يعود؟ الحل الوحيد ان اعتبر انه في سفرة جديدة سيعود بعدها الي، او اذهب اليه انا، اصبح الامر هينا، فسنلتقي عما قريب»، لقد اتجه صوب اليقين.
كلمة أخيرة:
يرحم الله اخي ماهر الساير والله اسأل له ولزوجته وابنائه الذين قضوا معه في الحادث الاليم الرحمة وسكنى جنان الرحمن، واسأله سبحانه وتعالى لاخي مبارك الساير واسرته الكريمة الصبر والاحتساب، ولا نقول الا ما يرضي ربنا سبحانه «اللهم اجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها».