فيصل الزامل
كلام الشيخ يوسف القرضاوي عن دور ايران في نشر التشيع في دول عربية واسلامية يصرفه البعض الى الجانب الديني، وفي رأيي أنه ينصب بشكل رئيسي على الجانب السياسي، واذا وجد فيه شيء ديني فبشكل جانبي بالنظر الى النفي الصريح والرسمي للمسائل التي أثارها الشيخ القرضاوي حول ما تضمنه النشاط الإيراني في الخارج (سب الصحابة الكرام، والتعريض بمن أسماهن ووصفهن صريح القرآن الكريم بـ«أمهات المؤمنين»، ويشاهد زائر ضريح جعفر الصادق الى جانبه قبر ابنته عائشة بنت الامام جعفر) وليس بعد نفي ايران ما نسب اليها والبراءة منه الا التوقف عند الجانب السياسي للجهد الايراني في دول عربية واسلامية.
لا شك في أن هناك شريحة يتملكها الاعجاب بدعم طهران للجماعات التي تتصدى للصلف الاسرائيلي، وهو دعم لا يقتصر على الأحزاب الشيعية - كما هو الحال مع حركة حماس - فالشارع العربي يعيش حالة من القهر وهو يشاهد الحصار الاسرائيلي لشعب كامل يقابله عجز عربي مخجل وسكوت دولي قذر، ما يجعل لغة التحدي الايرانية وسيلة شبه وحيدة لتنفيس الغضب العربي من غطرسة الصهاينة التي انزعج منها حتى بعض اليهود لما بلغته من وحشية في التعامل مع مدنيين عزل لا يستطيعون حتى قطف ثمار مزارعهم من أشجار الزيتون وغيرها.
لتوضيح الصورة لابد من استخدام مثال من التاريخ المعاصر، فقد كانت شريحة من الشارع العربي، وتحديدا في مصر، تعيش حالة اعجاب بالاتحاد السوفييتي في مطلع الخمسينيات وطوال الستينيات في ذروة المواجهة العربية - الاسرائيلية صاحبها دعم كبير من موسكو للجيوش العربية في مصر وسورية والعراق واليمن، هذا الاعجاب لم يمس الحالة الدينية الحقيقية للشارع المصري، فالمثقفون الذين تحدثوا بإعجاب عن النظرية الماركسية كانوا من أشهر رواد المساجد في مصر، رغم أن الحضور السوفييتي في الوجدان العربي كان شموليا، مؤتمرات للشبيبة العالمية في موسكو تشارك فيها وفود من معظم الدول العربية وحتى بعض دول الخليج، زيارات رسمية من القادة العرب الى موسكو وبالعكس إلى العواصم العربية لاظهار التحالف السياسي والعسكري وحتى الثقافي ممثلا بأقلام عربية بشرت بالاشتراكية، ثم تأسس الاتحاد الاشتراكي في مصر وغيرها.
صحيح أن هناك فوارق كبيرة تتمثل في تقارب الموروث الثقافي العربي والايراني ليس الديني فقط بل حتى الأدبي والفني، فالجمهور الايراني في الستينيات لم يكن بعيدا عن أغاني أم كلثوم وغيرها، فضلا عن مجلة العربي وعدد من المطبوعات المصرية، فلما جاء المد الديني وجد أمامه طريقا ثقافيا معبدا مع أجواء احباط قاتمة على المستوى السياسي ما أدى الى تلاقي شريحة كبيرة من الشارع العربي مع ايران الاسلامية أشد مما كان عليه الحال مع ايران البهلوية، وليس المواطن المصري - مثقفا كان أم عاميا - بالغافل عن مكانة آل البيت في المذهب السني، وهو يعلم أن حيي الحسين والسيدة زينب بالقاهرة هما نقطة ثابتة في الضمير المصري تتجه اليها أنظاره في شهر رمضان وغيره من المناسبات الدينية، ومن يحول الاعجاب السياسي الى شيء آخر فإنه قد يقع في خلط مشابه لما حدث في الستينيات، ولا يعني ذلك أنه لا توجد ممارسات دينية فيها غلو مثلما هو الحال في سائر المذاهب، ولكننا نتحدث عن ايران كدولة، وليس عن جيوب فكرية موجودة في سائر المذاهب.
لقد فشلت تجربة إعجاب الشارع العربي«المحبط» بدول تنفس احباطه في الماضي، والخوف من تكرار الفشل هو خوف مشروع خصوصا أن لايران سببا كافيا لتشتيت مواجهة مع واشنطن تجاوز عمرها ثلث قرن عبر ذلك الحضور الصاخب في الحديقة الخلفية لها، هذا الحضورليس للصخب وصرف الأنظار فقط بعد أن حقق لإيران امتدادا استراتيجيا راسخا داخل العراق يمنع الى عقود طويلة تكرار تهديد بغداد لأمنها، فاذا أضيف اليه شيء مقارب في القاهرة ودمشق وغيرهما فما المانع؟
كلمة أخيرة:
دعم دمشق للحركات الاسلامية السياسية لا يتناغم مع خلافها مع جماعة الاخوان المسلمين لو كان الدافع الأيديولوجيا، بل لا توجد مواجهة فعلية مع اسرائيل لأكثر من أربعة عقود، لولا مضايقات واشنطن لها، وقد كتب الناشط محمد الوائلي، في منتدى «ياحسين» ما يلي: «ايران تبحث عن مصالحها فقط وفقط وفقط، ولا يهمها أي شيء آخر، هل فهمتم ؟» الجواب «فهمنا».