فيصل الزامل
ما طرحه مثقفون شيعة حول أهمية المراجعات الفكرية يذكر بقيام جماعات دينية أخرى في مصر والسعودية وغيرهما من الدول العربية بمراجعات صارت أكثر من ضرورية بعد أن أدى اتساع حجم القاعدة الشعبية للطرح الإسلامي الى دخول أعداد كبيرة من حديثي العهد ليس بالعلم الشرعي فقط بل حتى بالتدين وان شئت بالخبرة التي تحتاج الى سنوات من المعايشة والتمرس في ميادين الفكر وحتى السياسة، وهو أمر حدث في التاريخ الإسلامي وبين كبار الأئمة، واليوم لا يمكن لمن يعيش في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه 100% أن يطلب من آخرين يعيشون في بلد لا تتجاوز نسبة المسلمين فيه الـ 5% أن يمارسوا أمورا لا تأخذ بالاعتبار البيئة المحيطة، مثلما حدث في قضية سيارات الأجرة في واشنطن، حينما بلغت نسبة المسلمين بين هؤلاء ما يتجاوز نصف عدد السائقين في المدينة، حيث قام المسلمون وبشكل جماعي بإيقاف سياراتهم في وقت الإفطار في شهر رمضان، الأمر الذي اضطر الجهات المختصة الى إعادة النظر في معدل منح التراخيص لسائقين مسلمين لتحاشي تكرار هذه المشكلة، ومثل ذلك يقال في تجارب كثيرة.
في بلادنا ملفات ملتهبة بين التيار الديني والسلطات الحاكمة، في مصر تجاوز عمرها نصف القرن وفي الجزائر أوصلت الطرفين الى حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، واليوم جاء دور الحروب الطائفية ليس مع السلطات ولكن بين الجيران، كما يحدث الآن في العراق، ويراد لهذا التنين أن يتجول على خارطة المنطقة وينفث نيرانه الشريرة ليحرق الجميع بلا استثناء، الأمر الذي يحمّل أهل الرأي مسؤولية القيام بمبادرات من سائر الأطراف على غرار ما بادر به المثقفون الشيعة، فقد تمت صياغة تاريخنا الإسلامي فيما يتعلق بقضية الخلاف المعروف على مرحلتين، الأولى كانت فيها الغلبة للأمويين، ما جعل التقرب الى الحاكم عبر صياغات معينة أمرا شائعا لقرنين من الزمان، ثم جاءت دولة العباسيين حيث أضيفت روايات على مدى خمسة قرون لإرضاء الطرف الآخر، ولا يمكنك لوم شاب يقرأ روايات كهذه من أن يتحرق غضبا على هذه الفئة أو تلك، بل كنت واحدا من هؤلاء في بداية عهدي بالقراءة، ولا أنسى مدى غضبي على احدى الطائفتين، والسبب هو قصة قرأتها، تمت صياغتها اعتمادا على عهد احدى الدولتين المذكورتين، وها نحن بعد قرون كثيرة نسير حسبما أراد لنا واضعو تلك الروايات ممن أبدعوا في رصها ورصفها، قطعة من هنا – من مراجعكم أنتم – وقطعة من هناك – من كتبكم أنتم – و«عليك يا اللي ما تضيع».
لقد عاش أهلنا في الكويت - بل حتى أهل العراق - سنوات طويلة من التعايش بين الطائفتين واذا كانت سياسة نظام البعث العراقي والثورة الإسلامية في ايران قد أحدثت تحولا في تلك العلاقة فقد استنفدت تلك الممارسات كل ما لديها وأثبتت أنها لم تكن لصالح أيّ من الطائفتين بقدر ما هي «السياسة» فقط لا غير، الأمر الذي يفتح الباب واسعا للحكماء من أمثال الشيخ محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الأمير قبلان، وآخرين مثلهم في الجانب السني لأخذ المبادرة في معالجة أمور لا يجوز لها أن تترك لأطراف بعضها قليل الخبرة والبعض الآخر ليس بمنأى عن الشبهات.
كلمة أخيرة:
سمع عمر ( رضي الله عنه ) وهو في طريقه الى الحج رجازاً يرجز:
ما إن رأيت فتى كالخطاب.. أبر بالدين وبالأحساب
بعد النبي صاحب الكتاب
فنهزه بسوطه في ظهره وقال: ويلك وأين الصدّيق؟ قال: ما لي بأمره علم يا أمير المؤمنين، فقال: أما لو أنك كنت عالما ثم قلت هذا لأوجعت ظهرك.