فيصل الزامل
انتقد الشاعر الساخر أحمد نجم أم كلثوم، وهاجم عبد الحليم حافظ رغم أنه كان ممن ألّف بعض أغانيه، يقول عن ذلك: «لست ضد هؤلاء، هم أصدقائي وأنا اتربيت مع عبد الحليم في ميتم واحد، الحكاية انني ضد نظام عبد الناصر وهمه كانوا الميكرفون الذهبي بتاعه» طبعا أيضا كان ضد السادات وهو معارض «خلقة» كما يقول المصريون، الشاهد في الموضوع أن لكل توجه علامات ورموزا دالة عليه، الشباب، مثلا، يتعرفون على أذواق بعضهم البعض من خلال المطاعم أو المقاهي التي يرتادونها، هذا في بلادنا، في الغرب من خلال الكتب التي يقرأونها، وتكون بداية الانسجام بين شخصين «أن يعرفا الكتب التي يقرؤها كل منهما، فإذا تقاربت تحقق الانسجام، والأمر يختلف مع الأعمار المتقدمة، ففي بلادنا تجمع الكبار دواوين وهي تشير الى مذاق كل شخص ـ في الغالب ـ وعلى مستوى العالم العربي فإنه إذا توحدت نوعية الكاتب الصحافي الذي يفضله شخصان فإن فرصة تحقق الألفة بينهما تكون كبيرة، كونه يعبر عما يجول في خاطرهما معا، كانت العرب تقول «عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه، فكل قرين بالمقارن يقتدي» لهذا فإن من وسائل معرفة سلوك شاب يتقدم لخطبة فتاة هي الاستفسار عن نوعية أصدقائه.
فيما يخص كاتب الزاوية الصحافية، في كثير من الأحيان يكون له قراء وجمهور، معظمهم يلتقي معه فيما يكتب ويرى فيه معبرا عن أفكاره، سواء لأنه لا يملك الوقت لكتابتها أو تلخيصها بطريقة سلسة، فإذا وجدها مسطورة، تنفس الصعداء، وكأنه أخرج شيئا مكنونا من صدره، الأمر الذي يرتب مسؤولية أدبية على الكاتب الذي يتتبعه عدد من القراء، قل أم كثر، فهو قد يكون نقطة التقاء لأشخاص يجمعهم معه انسجام، ويتحقق ذلك فيما بين هؤلاء الأشخاص حتى لو لم يلتقوا الكاتب، فالأفكار المتقاربة ليست ملكا لأي منهم، واذا وفق الله أحدا أن يطرحها ككاتب أو يشرحها كمتحدث في ديوانية أو ندوة أو يرسلها عبر الأثير ـ كل حسب تخصصه ـ فإن المجتمع ينفس عن نفسه، وهذه من الحاجات اليومية لأي إنسان، التنفيس عن المشاعر والمعاني معا، بأي من تلك الوسائل، وأهم من ذلك المقاربة بين الناس وتقليل حجم التشتت الذي تسببه الحياة الصاخبة سواء في سوق السياسة أو الاقتصاد أو غير ذلك من ميادين الحياة.
لقد مر زمان كان فيه أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وغيرهما من الشعراء يعبرون عن مذاقات المجتمع، وقد استطاع المتنبي أن يكون محطة الالتقاء لأجيال كثيرة لنفس السبب، التنفيس عما يجول في الخاطر من خلال ترتيب المعاني الجميلة وحسن صياغتها.
المسؤولية الدينية كبيرة على هذه الفئة من الناس (إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) والسبب في انعطاف كثير ممن يحمل تلك المسؤولية هو الإعجاب بالنفس الذي قلما يسلم منه أحد، الأمر الذي يتسبب في (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا).. فالحذر الحذر.
كلمة أخيرة:
رأى عمر ( رضي الله عنه ) جمعا من الناس يسير خلف أبي بن كعب لطلب العلم، فنهره وفرقهم قائلا: «اجلس في المسجد فمن أرادك فليأتك ولا تعد الى مثلها فإنها ذلة لتابع، فتنة للمتبوع».