فيصل الزامل
تشكيل نقابات في كل مهنة وكل تخصص بغرض ممارسة الضغوط على جهات العمل أوجد فرصة للانتفاع على حساب أرباب تلك المهن، فهي ليست كالجمعيات المهنية قابلة للمحاسبة، ولا يستطيع حتى أعضاء النقابة الاطلاع على سجل المصروفات والسفريات السياحية وصرف البدلات المالية ولا حتى الوقوف على الجهات المستفيدة من تأجير المواقع المخصصة للنقابة كالمطاعم وغيرها من المرافق العامة المملوكة أساسا للدولة ولكنها تحولت الى ممتلكات خاصة تحت اسم العمل النقابي.
هذا الملف يحتاج الى من يفتحه ليس فقط للجانب المالي منه بل من أجل مراجعة مفاهيم لا تتفق مع الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والمواطن، فللعاملين في أي مهنة حقوق يجب أن توفرها الدولة وعليهم واجبات يجب أن يمارسوها بالصدق والأمانة، ولا تهتم النقابات بالجزء الثاني الذي تعتبره مسؤولية جهة العمل فقط، كما يجعل حشد المقصرين للضغط من أجل مساواتهم بالمحسنين في أداء أعمالهم هو ظلم بين وصريح، وقد يكون من العبث الكلام عن الممارسة السليمة للعمل النقابي في الظروف التي نعرفها في الكويت من فارق شاسع بين الشعار والشارع.
في الدول المتقدمة تقوم النقابات المهنية بتمثيل مصالح العاملين في المهن وتعالج الكليات من المسائل ولا تحبس نفسها في الجزئيات، وتسعى الى الحلول طويلة الأمد والجوهرية بعيدا عن البهرجة الفارغة، وهي تعلم ـ في تلك الدول ـ أن ازدهار التنمية وكثرة المشاريع هما ماء الحياة لاستمراريتها، بينما لا يتجاوز اهتمام الكثير عندنا الدور المطلبي وظلم المنتجين لصالح المقصرين وفرض ترقيتهم بشكل مجحف بحق المجتهدين.
لقد تم ايقاف مشروع الداو الذي قدر له توفير 4000 فرصة عمل للمواطنين وتحقيق استثمارات تناهز 13 مليار دولار، نعم، لقد أجهض الفهم المعوج للمسؤولية النقابية الذي يسيطر على بعض أعضاء مجلس الأمة هذه الفرصة الرائعة والسبب هو تلك الطريقة التي لا يمكن وصفها الا بعرقلة التنمية، وقد توقف القطاع النفطي عن طرح مشاريع أخرى جديدة وكبيرة بسبب تلك الأفكار السلبية، وما لم يتم تصحيح تلك المفاهيم، وتشجيع اعادة روح المبادرة الى هذا القطاع فليست لدى الكويت فرصة لبناء قطاع اقتصادي حقيقي، ولا مناص من الدخول في خيار «إفقار الدولة» في ظل تراجع بقية مداخيل الدولة التقليدية.
كلمة أخيرة:
قال عاصم بن عمر: «أرسل الي أبي وقال لي: انه ليس شيء يحل لي من مال المسلمين دون غيرهم، واني معينك بثمر مالي في العالية ـ بستان لعمر ـ فاحصده، وبعه، وخذ ثمنه ثم ائت رجلا من تجار قومك فكن الى جانبه، فإذا ابتاع شيئا فاستشركه ـ خذ منه الخبرة ـ واستنفق وأنفق».