فيصل الزامل
الكويت تستاهل، ماذا؟ تضحيات أم مكابرة؟ لا شك عندي أن الفئة المقصودة بهذا السؤال ـ الذين أصابتهم نشوة السلطة ـ لا يقيمون اعتبارا لكلمة «تضحية» ولهذا فليس أمامنا كمواطنين إلا أن نوصل صوتنا بشكل مباشر، وبصوت مدوّ نقول فيه «نعم للثوابت الدستورية، لا للانحراف في تطبيق الدستور واختطافه» فمنذ نصف قرن ونحن ندفع ثمنا باهظا لتلك العداوة المرضية التي غيرت الكويت شكلا ومضمونا، والناس تعرف وتقول بشكل صريح إن الاحتلال الآثم لم يكن ليحدث لولا تلك الأجواء الانشطارية، بدليل أن تغلب الطرفين على تلك الخلافات في مؤتمر جدة كان هو الركيزة السياسية لعملية التحرير، الأمر الذي يتطلب عدم الاستمرار في تلك العداوة المزمنة والتشكيك في كل شيء وبالمطلق حتى استفاد الحرامي الحقيقي من تلك الأجواء وتستر بها لنهب موارد هذه الدولة، وذهب الشرفاء الواحد تلو الآخر ـ على المنصة الأولى ـ ضحايا لأسلوب الطعن في الشريف والصمت عن المتلاعب الفعلي.
لقد استهلك ذلك الأسلوب خمسة عقود من عمر الكويت ـ أتحدث عن الأسلوب لا الدستور ـ ونحن بحاجة الى خمس سنوات على الأقل حتى ننظر خلالها في مواطن الخلل، فالحل المؤقت للبرلمان يختلف عن الحل المؤبد، بالنظر الى أن حلا لمدة شهرين هو مضيعة للوقت والجهد، ولم يترتب على تطبيقه أكثر من مرة سوى المزيد من التناحر وتلك المسرحيات المملة على خشبة مسرح المجلس ما تسبب في تأخير الخطوات الجادة لإصلاح المسار الذي تم تشخيصه في حوارات متلاحقة تتم في كل لحظة بين الكويتيين ليلا ونهارا سواء في الدواوين أو المكاتب، وفي داخل البلاد أو خارجها، تسمعهم يتكلمون أثناء الحج وخلال سفر السياحة، فلا يلتقي اثنان إلا وكان هذا الموضوع ثالثهما... هذا التشخيص المتواصل، هل هو بلا نهاية؟!
نعم، هناك سؤال مستحق حول مدى قدرة النظام على الإفادة من تلك الفرصة، وتخوّف من سوء استغلال هذه الظروف، ولكن المبالغة في هذا الجانب غير صحيحة، فالنظام لا يمكن أن يفوّت فرصته الأخيرة لإثبات قدراته بعد فشل الأسلوب السابق، وما من عاقل يقامر بتفويت هذه الفرصة، وبالنسبة «للاستغلال السيئ» فهو أيضا تحدّ لا يملك النظام الدخول فيه، على العكس تماما، يجب أن يثبت أن الفساد الذي استشرى في العهد السابق قد انقطع بوجود الرقابة الحقيقية الفعالة، بالإضافة الى اللائحية.
نعم، سيكون هناك رأيان في هذه المسألة، ومثلما أخذ رأي واحد فرصته وحظي بدعم الآخر رغم الخلاف على الأسلوب، آن الأوان أن يأخذ الاجتهاد المقابل أيضا فرصته وسنكون في موقع الرصد والمراقبة، فقد نشأ في الكويت جيل لن يتردد في انتقاد الانحراف الحقيقي «الثاني» اذا حدث مثلما انتقدنا وبقوة الانحراف «الأول» من سرقات عينية قيمتها أضعاف السرقات النقدية، وأيضا لن يتردد أبناء هذا الوطن في دعم جهود مخلصة تنجح خلال هذه الفترة في وضع البلاد على أول المسار الصحيح حتى تظهر بجلاء التباشير الإيجابية الى العلن.
كلمة أخيرة:
اعترض رجل لمعاوية في سيره قائلا «استقم والا قومناك».
فقال معاوية «تقومني بماذا؟»
قال الرجل «بالخشب ان لم نجد غيره».
سكت معاوية قليلا، ثم تركه وانصرف.