فيصل الزامل
الكلام عن العم يوسف إبراهيم الغانم يرحمه الله هو حديث عن جيل له صفات وشمائل، جيل لم يكن ينظر إلى خدمة الدولة كفرصة للإثراء السريع ولا للتناصح معها سببا للتشهير وتسجيل بطولات فارغة، ففي اختبار «أزمة قاسم»، استجاب نفر من ذلك الجيل لدعوة الشيخ عبدالله السالم يرحمه الله الذي عرض عليهم أبعاد تلك التهديدات والموقف المتوقع من جمال عبدالناصر في غمرة خطابه الحماسي آنذاك، سارع الوفد إلى زيارة عبدالناصر وبين له سبب طلب تدخل الانجليز، وتلك قصة أخرى.
كان التعليم أكثر ما يهتم به العم بوإبراهيم في فترة بناء الكويت، فقد كان قليل الكلام، غزير الكلمات، ولكن إذا دار الحديث حول التعليم أطلق العنان لخبراته وقراءاته وتحول مجلسنا معه إلى ندوة مصغرة، يخبرنا فيها عن آخر قراءاته ولقاءاته داخل الكويت وخارجها في بناء الجامعات واستقدام الأساتذة المهرة وما رآه في دول متقدمة وما سمعه من زملاء له عاشوا تجارب ألمانيا بعد الحرب العالمية والخطط التي اتبعوها وركيزتها الأساسية هي التعليم والذي كان سببا لما بلغته ألمانيا رغم الدمار المروع الذي تعرضت له.
كان جيله مشغولا بهموم الأمة العربية وهو أمر تجاوبت معه الدولة بتأسيسها للصندوق الكويتي للتنمية ومبادراتها التي لا تحصى لرأب الصدع وجمع الشمل، والتي قادها على مدى عمر الدولة الحديثة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يحفظه الله، هذه الجهود لم تضع سدى حتى في غمرة الجحود الذي شهدته إبان محنتها عام 1990 فقد كانت هذه الحقيقة ركيزة حشد عالمي وأيضا عربي لتحرير الكويت، وفي المأثور «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»، لقد استهوى هذا المجال المرحوم يوسف الغانم فلم تكن له مناصب رسمية إلا في الجانب التطوعي مثل «الهلال الأحمر الكويتي» وعضويته لمجلس إدارة «الهيئة العامة للاستثمار» عن الجانب الأهلي، وهو أيضا عمل تطوعي بحت رغم أنه يختص في إدارة استثمارات الدولة وما تحمله من مسؤوليات جسام وآثار رئيسية في مسار الدولة على المستوى الاقتصادي والتنموي.
إننا بحاجة لاسترجاع قيم التاجر الصدوق التي كان بوابراهيم نموذجا لها، ومثله العم محمد الرشيد يحفظه الله الذي قال لي ذات مرة في لقاء معه: «أسست شركة مقاولات في بداية الستينيات وبدأت في تنفيذ بيوت الحكومة في منطقة الدسمة، وعندما اتضح لي أنه بغير دفع رشاوى لن أتمكن من التنفيذ في الموعد المحدد بسبب عراقيل يضعها البعض قررت إيقاف العمل في مجال المقاولات نهائيا» لقد كانت الأمانة بالنسبة لهم تعني التضحية وليست شعارا يطلق في الندوات ويتبخر عند أول اختبار.
من هذا الجيل عبداللطيف ثنيان الغانم الذي كان عضوا في مجلس الإنشاء والأعمار في منتصف الخمسينيات عندما ركب معه السيارة شخص، وحدثه عن نيته شراء أرض كبيرة جدا، وطلب منه السعي لتغيير نشاطها ما يؤدي الى رفع قيمتها أضعافا مضاعفة «وانت شريك معاي بنص القيمة الجديدة» عندئذ أوقف عبداللطيف الثنيان السيارة، وكانت من الطراز القديم، ما جعل يده تصل بسهولة إلى الباب الثاني، ففتحه وقال لمحدثه «انزل» بهت المتحدث، كان المكان بعيدا عن حركة المرور ولكنه قال له بحزم «قلت لك انزل، أنا شلت الأوساخ على رأسي في السجن ـ سنة 1938 ـ بسبب إخلاصي لهذا البلد، وانت تطلب مني أن أخونه، انزل» فنزل.
إنه جيل مميز، مهما كانت له من اجتهادات فإنها كانت نابعة من الإخلاص ونظافة اليد من أوساخ المال، والقلب من أمراض النفوس، نسأل الله أن يعوضنا خيرا عنهم، والأمل كبير ألا تضيع تلك الشمائل الجميلة.
كلمة أخيرة:
ومما جاء في خطبة لعمر ( رضي الله عنه ): «وأنتم أهل بلد لا زرع فيه ولا ضرع إلا ما جاء الله به إليه، وإني مسؤول عن أمانتي ومطلع بنفسي على ما بحضرتي لا أكل ذلك إلا للأمناء وأهل النصح منكم للعامة».