تقدمت القوات الإيرانية 50 مترا واحتلت حقل «الفكة» ثم انسحبت منه على أساس أن يترك تحديد مصيره للمباحثات في اللجان المشتركة التي سيهيمن على أعمالها بالطبع ذلك العمل العسكري من دولة لم يمنعها زوال النظام العراقي السابق الذي خاضت معه أطول الحروب في تاريخها ومجيء نظام صديق، فالمصالح لا تعرف الصداقة ولا حتى الأيديولوجيا، وبالتالي فإن أمام العراقيين مرحلة صعبة لإعادة ترسيم حدود يبلغ طولها 1400 كيلومتر بعضها يمر في حقول نفط مشتركة والبعض الآخر يمر في مياه شط العرب التي يقسمها حاليا خط وهمي مناصفة بين البلدين ـ خط التالوك ـ والذي أقرته اتفاقية عام 1975.
نحن لا نستطيع تجاهل ما يجري بين هاتين الدولتين الشقيقتين لما له من انعكاسات هامة على المنطقة ككل بالنظر إلى أن معظم الخلافات في منطقتنا هي على المناطق النفطية، بدليل أن احتلال الأردن لمنطقة الرويشد العراقية منذ عام 1991 لم يلفت اهتمام العراق لا رسميا ولا شعبيا لخلو تلك المنطقة من أية آبار نفطية، من جانب آخر فإن العراق يتجه إلى رفع إنتاجه النفطي كي يصل إلى 10 ملايين برميل يوميا، الأمر الذي يعني الكثير للآبار المشتركة مع دول الجوار، وبالنظر إلى تقدم التكنولوجيا لدى العراق بواسطة الشركات الدولية وتخلفها لدى إيران بسبب الحصار فلا يستبعد أن يكون تزايد نشاط الإنتاج العراقي هو المحرك للأحداث الأخيرة، إضافة إلى ضغط الأحداث الداخلية في إيران على النظام لفتح ملفات قديمة كهذه حيث تم اكتشاف بئر الفكة عام 1979 ولم تكن محل جدل منذ ذلك التاريخ، غير أنها اليوم يمكن أن تصرف أنظار الشارع الإيراني بعيدا عن المعارضة الجديدة والتي خرجت من تحت عباءة النظام مباشرة، وربما نجح تصعيد طهران مع بغداد في زيادة رصيدها الشعبي المحلي، في المقابل قد تخسر جزءا كبيرا من الشارع العراقي المتعاطف معها، وحتى خارج العراق حينما يتضح جليا للشيعة في دول الخليج أن كل ما حدث في العراق من تغيير لم يشبع رغبة إيران بعد، وهو أمر قابل للتكرار مع غيره، ما ينزع الصفة الدينية عن سياسة إيران الخارجية ـ نشر الثورة ـ ويغلب الطابع «الميكافيلي» المصحوب برغبة الهيمنة على نحو ما جرى في لبنان، حيث يتم إشغال العدو الأميركي عن التحرش بإيران من خلال إغراقه في مستنقعات أخرى في العراق واليمن وغيرهما.
بالنسبة للكويت وحقولها المشتركة مع العراق فقد قطعت المفاوضات المشتركة بين البلدين شوطا كبيرا يتجه نحو الاستثمار المشترك لتلك الحقول عبر تكليف طرف ثالث من الشركات المتخصصة بتقدير الجزء الخاص بكل بلد من الحقول المشتركة ـ أهمها حقل الرميلة/ الرتقة ـ وهي بالتأكيد خطوة هامة للطرفين، فالعراق يتجه بقوة نحو زيادة إنتاجه الذي وصل إلى 6 ملايين برميل يوميا حاليا ويستهدف رقم 10 ملايين، الأمر الذي يتطلب استقرارا في مناطق التنقيب وتحالفات جيدة على الصعيد الفني واللوجستي، الشيء نفسه تتطلع إليه الكويت.
مع تمنياتنا أن نضرب مثلا جيدا لمعالجة مثل هذه القضايا الشائكة بطرق حضارية وفعالة.
كلمة أخيرة:
مع كثرة تجفيف المواقع النهرية في الأهواز وغيرها، تذكر الناس قول الصحابي أبي بن كعب رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوشك الفرات أن ينحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، يقول من عنده ـ من أهل العراق ـ لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسع وتسعون» رواه مسلم.