تحدث الديبلوماسي الاميركي السابق «مايكل مورغان» في كتابه «تاريخ ضائع» عن الحضارة الاسلامية التي قدمت الكثير للحضارة الانسانية وامتد تأثيرها الى العصر الحالي وانها هي التي وضعت حجر الاساس للنهضة العلمية والمعرفية التي تعيشها اوروبا واميركا، قال هاملتون: «منذ عام 570م ـ مولد النبي صلى الله عليه وسلم ـ تناوب علماء كثيرون على تنمية الارث العلمي الانساني، علم الرياضيات مثلا لم يكن ليصل الى ما وصل اليه لولا ابن الهيثم والخوارزمي وابن سيناء وهم الذين اسسوا لكوبر نيكوس ونيوتن، وهو عطاء عقلي واسع اثر في المسار المتسامح بين الدين الإسلامي وطلب العلم والاجتهاد وتفتح الذهن في فهمه، كانت العدالة ركيزة راسخة في الفكر الديني الإسلامي، ما اتاح الفرصة حتى لغير المسلمين للمشاركة في تلك النهضة العلمية».
هذا الطرح من جانب مايكل هاملتون يمثل ردا صارما على كتاب «صراع الحضارات» كون الاساس الفكري للحضارة الاسلامية ليس تصادميا، وان الممارسات السياسية والهيمنة الاستعمارية هي السبب فيما زعمه من اعتبر صراع الحضارات حتميا، وبالعودة الى نفسية البحث العلمي في الحضارة الإسلامية نجد انها تعتبر نشر العلم واجبا وكتمانه اثما، لهذا استفادت اوروبا من هذه العلوم في القديم، بل وحتى في العصر الحديث أذكر ان بيت التمويل الكويتي طور عقودا جديدة للتمويل الإسلامي في مطلع الثمانينيات وهي تحمل قيمة مالية ضخمة استفادت منها بنوك غربية وحتى شرقية «سيتي بنك استقطب اموالا طائلة من بروناي، باستخدام عقود بيت التمويل الكويتي» كانت نظرة العم احمد بزيع الياسين لهذا الامر «لا يجوز كتم العلم، مهما كان الثمن».
يقول هاملتون صحيح ان العصور الاسلامية شهدت نوعية من الحكام المستبدين، الا ان الاساس الفكري لم يمنحهم المشروعية، وبذلك لم يكن لاستبدادهم قيمة حضارية واختفوا في زوايا التاريخ المهملة، وقامت بدلا منهم ممالك منصفة داخل كل دولة، من العهد الاموي والعباسي والسلجوقي، والف نظام الملك كتاب «الحكومة» الذي جاء فيه «قد تدوم المملكة بلا دين ولكنها لا تستمر مع الظلم»، ويضيف هاملتون «عاشت القدس محضنا للاديان السماوية الثلاثة في سلم ووئام، ولم تشهد المجازر الدموية الا في حقبة اقتحام الصليبيين لها حيث قتل الآلاف من المسلمين واليهود بل وحتى المسيحيين الارثوذكس، تم قتل النساء والاطفال وسرقت الكنائس والمساجد على حد سواء، وعندما دخل صلاح الدين الأيوبي القدس لم يُقتل انسان واحد بعد دخوله لها، بل فدى صلاح الدين 100.000 مسيحي اطلق سراحهم بعد ان دفع من ماله الفدية الواجبة نيابة عنهم، وفعل مثل ذلك اخوه الذي اطلق 50.000 فقير من المسيحيين العاجزين عن دفع الفدية، وحتى عندما قتل حصان الملك الصليبي ريتشارد لم يتركه صلاح الدين يمشي على قدميه بل ارسل اليه كتيبة من جيشه تحمله وتحرسه حتى بلغ مأمنه».
كلمة اخيرة: قال جيمي كارتر عن كتاب «هاملتون»: «يقدم لنا كتاب التاريخ الضائع احدى حلقات الوصال المفقودة في عالم مترابط ويظهر بشكل جلي الأثر الذي تركته الحضارة الاسلامية وإنجازاتها عبر المشرق والمغرب».
[email protected]