قضيت أغلب سنوات وظيفتي في مجال البحث والتحري عن الجريمة، وكانت أعداد الجرائم - بشكل عام - في تزايد من عام إلى آخر، عدا بعض السنوات التي سجلت بعض انخفاض خفيف بسبب الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الوزارة، وخاصة حينما يكون هناك حجز شامل للقوة وتنتشر الدوريات بالطريق مع وجود مميز لنقاط التفتيش وتزايد أعداد ضبطيات المطلوبين والمحكومين غيابيا على ذمم قضايا جنائية أو مالية.
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على تقاعدي من خدمة السلك الأمني فوجئت بوجود تصريحات تتحدث عن انخفاض نسبة الجرائم بأكثر من 16% من الجرائم خلال عامي 2014 و2015، وأنا كباحث في الشأن الأمني ومتابع دائم للقضايا الأمنية فقد كان تساؤلي: ما الأسباب وراء ذلك الانخفاض سواء على مستوى جرائم المخدرات أو جرائم السرقة، وهي الجرائم الأكثر انتشارا في المجتمع الكويتي؟
وفي اعتقادي ان الإجراءات القانونية والإدارية التي تتعب المواطن حين يتعرض للسرقة هي السبب الرئيسي لعزوف المجني عليه من الذهاب للمخفر لتسجيل قضية سواء كانت الجريمة جناية او جنحة، حيث ان المعاناة تبدأ عندما يبلغ المجني عليه عن الواقعة فتنتقل الشرطة والأدلة الجنائية لمعاينة مسرح الجريمة وبعدها يطلب من المتضرر التوجه للمخفر لتسجيل قضية مجهولة، فإذا كانت جناية فيرسل الى النيابة العامة للإدلاء بأقواله، وقد يكون ذلك في اليوم نفسه أو في اليوم التالي، وإذا كانت جنحة فعليه الانتظار لحين ينتهي المحقق من كم القضايا التي يحقق بها حتى يتفرغ له.
بعد تلك الإجراءات يتم استدعائه من قبل المباحث للإدلاء بمعلوماته حول الواقعة لإجراء التحريات في البحث عن الجاني ثم بعد ذلك تذهب القضية الى الملفات لحين ضبط الجاني واعترافه بالواقعة، وفي الغالب تكون المسروقات قد تصرف بها الجاني وذهبت مسروقات المجني عليه في أدراج الرياح.
تلك الإجراءات القانونية والإدارية هي التي تمنع الأشخاص من الذهاب الى المخافر لتسجيل قضايا، وهذا باعتقادي هو السبب الرئيسي لوجود تباين واضح بين أعداد القضايا المسجلة والقضايا الحقيقية الواقعة على النفس والمال.
وقد قدمت مقترحا سابقا أتمنى من وكيل وزارة الداخلية الفريق سليمان الفهد تبنيه والاتفاق مع النيابة العامة وإدارة التحقيقات بالسماح لأي مجني عليه يتعرض لسرقة أو اعتداء مجهول بتسجيل إثبات حالة فقط لدى المخفر يدون فيها كل المعلومات عن الواقعة مع تقديم المعلومات الى المباحث الجنائية للبحث والتحري ومتى ما تم ضبط الجاني فيمكن للمتضرر تسجيل قضية.
هذا الإجراء سيبين للوزارة حجم الحوادث الواقعة سواء كقضايا مسجلة أو إثبات حالة ومن خلال تلك الإحصائيات والمعلومات التي لديها يمكنها من التحرك واتخاذ الإجراءات المناسبة لضبط المتهمين بتلك القضايا وإحالتهم الى سلطة التحقيق واتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية للتصدي لتلك الجرائم.
[email protected]