ردة فعل الجامعة العربية وأمينها لأحداث ليبيا جاءت غير متوقعة وحاسمة وان كانت متأخرة كعادتها في التعاطي مع الأحداث الجسام التي تلم بالأمة العربية. المهم إن الجامعة العربية وأمينها سارا في الاتجاه الصحيح من حيث الوقوف إلى جانب الشعب الليبي المجاهد في خضم صراعه الحالي لانتزاع حقوقه المشروعة وهو ما يوجب إيصال شكرنا لتلك المؤسسة التي تنتظر منها الأمة العربية الكثير، لكن الغريب المستغرب ألا نجد نفس مستوى التعاطي من قبل الجامعة مع باقي الشعوب التي انتفضت ضد ظلامها قبل ليبيا كما لا نجده مع الشعوب التي تطالب حاليا برفع الظلم والإصلاح في وطننا العربي.
وهنا يثور سؤال مشروع عن سبب هذا التناقض ولو بحثنا في زوايا العقل علنا نجد تبريرا لهذا المسلك من قبل الجامعة العربية وأمينها لا نجد إلا تفسيرا واحدا وهو ان الجامعة العربية هي جامعة الحكومات وليست جامعة الشعوب، فما دامت العلاقات جيدة بين الجامعة والحكومات فلا نسمع من تلك الهيئة سوى عبارات التأييد والمساندة لتلك الحكومات في خلافها مع شعوبها (وليس مجموعات المعارضة) او الصمت المطبق وان لم تكن العلاقة على ما يرام (وهو ما يبدو يشوب العلاقة مع ليبيا) فان الجامعة العربية وأمينها سرعان ما ينتفضون ويدينون تلك الحكومات.
فمساندة الجامعة العربية وأمينها للشعب الليبي إذا لم تصدر من القلب وليست خالصة لوجه الله تعالى وإلا أين كان ذلك الموقف «المبدئي» من الجامعة العربية وأمينها في وقت كانت ولا تزال الشعوب العربية تسحق من قبل قوات الأمن الحكومية ومجموعات البلطجية والمرتزقة التي تستخدمها في بلدان عربية أخرى للتصدي للمتظاهرين المسالمين. قد يقال ان الفعل الحكومي الليبي قد تجاوز حدود المعقول ويقوم بمجازر فهذا وان كان صحيحا لكن التصدي الدامي للمتظاهرين العزل واحد وان اختلفت درجات حدته فبكل تأكيد ان ما يجري في ليبيا إفناء وتدمير وانتقام أعمى بأعتى الأسلحة وأثقلها لشعب لا يملك إلا حناجر هادرة بنشيد الحرية الممزوجة بصرخات الألم وأنات الظلم لكن جريمة إراقة الدم الحرام تبقى واحدة آلافا كانوا الضحايا او افرادا قلائل وقد نصت شريعة الإسلام المقدسة على أن من قتل نفسا بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعا، فمن دافع عن كرسيه بقتل مواطن بريء لا يختلف عمن قتل آلاف المواطنين الابرياء دفاعا عن ذلك الكرسي فكلاهما يستحق الإدانة والشجب والعقاب وان اتخاذ موقف متشدد إزاء من يهرق دم الآلاف (بأي وسيلة كانت) وتناسي واغفال من يهرق دم عشرة فقط أو اقل أو أكثر فهو ضحك على العقول ونفاق نربأ بالجامعة العربية وأمينها أن ينحدرا إليه ومن هنا نطالب جامعتنا العتيدة بأن تبين لنا سبب اتخاذها معيارين مختلفين وكيلها بمكيالين في قضية واحدة ونرجو ألا يكون العذر فيها هو درجة قسوة التصدي للمحتجين.
أما لجوء بعض الحكومات لتأجير ودفع بعض المرتزقة لمواجهة المظاهرات فهو للإيهام بقيام حرب أهلية أو قرب حدوثها او الخشية منها بما يبرر لتلك الحكومات استخدام القوة التي قد تكون مفرطة للتصدي لتلك المسيرات السلمية وهي لعمري حجة مفضوحة وممجوجة وفجة لا تزيد المتظاهرين إلا قوة وعنادا وإصرارا ولا تكسب تلك الحكومات إلا مزيدا من الفضيحة أمام الرأي العام العالمي لسوء سلوكها وقلة تدبرها وتدبيرها، فهل تكف الحكومات عن سلوك هذا السبيل؟
[email protected]