اجتمع الفلاسفة على قول واحد، وهو ان «السعادة تكمن في العطاء»، نعم العطاء سواء في المشاعر او في المال، فعطاء المشاعر يجعل الحزين سعيدا منجزا، وإذا ما اصبح الإنسان سعيدا تتكون لديه مناعة ضد الأمراض كلها، والدليل انك لا تجد سعيدا يدخل مستشفى او يكون تشافيه في حال مرضه اسرع من غيره، اما عطاء المال فيشعرك بالحب والثقة ويجعلك تنجز اكثر ويبادلك الناس حبا غير مشروط.
ويأتي الحديث عن العطاء هنا، بعد ان اعلن مؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرغ قبل ايام عن تبرعه بـ 99% من ثروته لصالح الأعمال الخيرية، احتفالا بميلاد طفلته ماكس، وتتجاوز قيمة هذه الثروة الـ 40 مليار دولار، وهو مبلغ بإمكانه سداد رواتب الكويت لمدة سنة، وعلل مارك ذلك بأنه يريد لابنته ان تعيش في عالم افضل بدون امراض وعالم متعلم مترابط اجتماعيا خال من المشاكل.
وهناك الكثير من المبادرات المماثلة لمبادرة مارك للعديد من أثرياء الغرب وأشهرهم بيل غيتس ووارن بوفيت والممثل جاكي شان عندما قال: «لن أورث ابني شيئا من ثروتي، فكما صنعتها بإمكانه ان يصنع مثلها»، وتبرع بثروته لصالح اعمال الخير والأبحاث.
وعلينا ألا ننسى بوب مور صاحب متجر «رد ميل» للبقالة الذي يقدر ايراد شركته سنويا بأكثر من 24 مليون دولار، ووزع اسهم شركته على موظفيه بالتساوي، وعندما سئل عن ذلك كان رده: «لقد حسنوا من مستواي المعيشي وأغنوني حتى اصبحت مليونيرا وعملوا بجهد وضحوا من اجلي فأتى الوقت الذي ارد فيه الجميل لهم»، تخيل لو لديك شركة ايرادها السنوي 24 مليون دولار وتعطيها لموظفيك؟!
وفي احدى المناسبات السابقة، سألت صديقة لي في الجامعة: لماذا تم تكريم هذا الشخص؟ فأجابت: ان هذا الشخص ملياردير وهب ثروته للأحياء الفقيرة في محافظتنا، ما ادى الى انخفاض الجرائم وانخفاض تعاطي المخدرات بنسبة 80% وذلك بفضل دفع تكاليف الدراسة للأسر الفقيرة، واصبح الجميع في المدارس والجامعات، وتم فتح مجالات للعمل بالإضافة الى تأمين صحي، ما انعكس على مستواهم المعيشي.
هؤلاء البشر اهدافهم عميقة وبعيدة المدى وواسعة الانتشار، اي ليس في محيطهم فقط بل انهم يساهمون في جميع انحاء العالم حتى نعيش نحن في عالم افضل، ولا ادري بصراحة كيف اقارن بوضع الأثرياء لدينا وأثريائهم! فالمقارنة صعبة واعلم انه لابد ان تكون هناك محاولات وتجارب، ولكن للأسف لا اعرفها او اعرف احدا يعرفها.
ومع الأسف، فإن العطاء في مجتمعنا العربي يرتكز على اشياء عينية اكثر من انها مفيدة مستقبلا، مثل «خيشة عيش» او «خيمة» او «سكر» او «مدفأة وبطانيات»، فجميعها اشياء لا تعطي اي قيمة للإنسان بل تدعم تصنيفه كفقير دائم الحاجة، وهذا سببه ان بعض الأثرياء والمتنفذين جذبوا المجتمع للأسفل بسبب الطمع والجشع، والمقولة الراسخة التي تقول «لا تعطه فيعض يدك بعد ان يستقوي».
ودائما هناك مؤامرة، ودائما هناك سوء ظن، ناهيك عمن يذهب ليأخذ الصور مع اللاجئين، وهو يحمل كيس تمر، او يتصور وهو بجانب عامل ويكتب «ارحموهم».. الخ، وهي مناظر لا تعني شيئا سوى انك تحب الاستعطاف وجذب الاهتمام، والغريب في الأمر انك لا تسأل عن ملة او دين او مذهب الدكتور الذي يعالجك، وإن كان يعبد دجاجة، ولكن تسأل وتتعب بالأسئلة عن دين وملة ومذهب الفقير الذي ستعطيه ربع دينار.
٭ هذه لك: الشيء الجيد ان العطاء ليس حكرا على الغرب، بل تربية ومسؤولية تجاه مجتمعك، فهم تربوا على «أنا انجح بمساعدة الآخرين وسأساعدهم للنجاح»، «هذا منهج يدرس عندهم»، اما بعض مجتمعاتنا فتربت على «أنا أحبط الآخرين لكي انجح وإذا نجحت أستعبدهم».
[email protected]
ammarmarafi@