سبحان من جمع بين هؤلاء! أصغرهم عبدالله وأكبرهم نوح وبينهما عيسى، رحمهم الله، نحسبهم من الصالحين والله حسيبهم، رحلوا عن دنيانا خلال شهر واحد، يجمع بينهم حب الله ورسوله، أكبرهم نوح سلطان بورسلي تدخل عليه مكتبه في الشويخ الصناعية تجده مع كتاب الله تدارسا وقراءة وتدبرا، كان حريصا على صلاة الجماعة، حريصا على الإنفاق في سبيل الله، خصاله حميدة، كان تاجرا عفيفا حريصا على تربية أبنائه على الأخلاق الكريمة، يصل الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، له معي موقف لا أنساه حين كنت خطيب مسجد عبدالله بن أبي بكر أثناء الاحتلال وبعد نزولي من المنبر، طلب مني الصعود إلى سيارته الخاصة وسلمني مبلغ ألف دينار، وطلب مني إنفاقه على أهل الكويت ممن يحتاج، وبالفعل اجتمعت مع رواد المسجد ودون أن أذكر اسمه وزعنا المبلغ على من يحتاج، كان ـ رحمه الله ـ قليل الكلام صبورا حكيما ذا عقل راجح.
أما أوسطهم فهو عيسى عبدالوهاب العيسى عرفته في منطقتنا منذ أواخر السبعينيات أدبا وخلقا وتواضعا وسعيا في سبيل الله، تعرف في وجهه الطبية والحنان والرفق، أعماله الخيرية سرا وجهرا كثيرة وعديدة، كم من محتاج أعانه، وكم من صاحب دين سد دينه، وكم من معسر عفا عنه، خصاله محمودة ودربه للخير، يسره الله له ماله ليس له، يعطي بسخاء كريم مع أهله، كريم مع أصدقائه، اشترى استراحة لأحبابه منذ اكثر من عشرين سنة يفطرون فيها كل اثنين، وجعلها صدقة ووقفا لله، سافرت معه أكثر من سفرة، لا تجد منه إلا الرجولة والعاطفة والمحبة، أخو كبير وذو طبع شريف وقلب نظيف، من حبه لأصدقائه دائما يتفقد الجميع، قبل وفاته بشهر أو زيادة تقابلنا بإحدى الديوانيات وضحك معي وقال أعرف انك تحب السمك وسأدعوك إلى ما تحبه، وعندما نخرج معه إلى مزرعته بالوفرة يسخر كل شيء لخدمتنا.
أما الأخير فهو عبدالله اليعقوب، من مثله صاحب؟ يزورني أيام عملي يتفقد الجميع، وهو بحكم مرضه المزمن يجلس بشكل دوري بالمستشفى، فكم من مرة وهو يتصل بي يطلب مني السعي لأهل الحاجات، واكتشف انه على فراش المرض وأقول له أبا عبدالرحمن صحتك، فيضحك ويحمد الله، له طريقه من السعي لأهل الديون اذا جاءه شخص يعرفه وأخبره بأن عليه دينا مثلا ثلاثة آلاف يقوم هو بنفسه بتقسيم المبلغ على مجموعة من ربعه ويذهب بنفسه الى واحد واحد، ويقول له هذه حصتك من الدين لفلان، وما يتعدى أسبوع إلا ويكون قد سدد كل المبلغ، من أمانته اصبح وكيلا لأحد أصحاب العقارات ويأخذ الإجازات، وإذا تعسر احد المؤجرين لأي سبب يقوم الاخ عبدالله بدفع الإيجار من حسابه الشخصي، ويصبر على المؤجر إلى حين السداد، رحمه الله، عاش صابرا لمرضه المزمن الذي بسببه يدخل المستشفى مرات عديدة ويلزمه المبيت فيه، لم نجده يشكو أو يتذمر أو يسخط صبور وجلد وعزم الرجال.
رحم الله الأبطال الثلاثة من أهل الكويت، عاشوا في صمت وماتوا في صمت، فقدناهم أجسادا وبقيت ذكراهم في قلوبنا، رحم الله نوح وعيسى وعبدالله.
[email protected]