من المتعارف عليه أن أي عقد مهما كانت طبيعته يفترض أن يكون مبنيا على أسس ومبادئ محددة وان يحترم شروطا معينة حتى تثبت صحته.
لعل اهم هذه الشروط الرضا، ففي المجتمعات المتحضرة لا يمكن القبول بعقود تتم دون رضا أطرافها، ولا يمكن استساغة بيع دون رضا صاحبه، كما أنه من المستهجن تزويج فتاة رغما عنها، أو مشاركة شخص في عمله عن طريق الإكراه أو التهديد.
وفي الفكرة نفسها يبدو لنا ظلما وإجحافا إتمام عقد مبني على الخداع أو التحايل أو الغبن من خلال استغلال طيبة المتعاقد أو ثقته المفرطة في الطرف الثاني او كذلك عدم فهمه للقوانين أو تصوره للوضع بصفة خاطئة.
فقد يقوم شخص بالاتفاق مع صاحب عقار على بيعه إياه مقابل مبلغ مادي معين ويقنعه بتسجيل مقدار مالي اقل من ذلك الذي تم الاتفاق عليه متعللا بأنه يريد التقليل من أتعاب المحامي الذي صاغ العقد أو المبالغ المستحقة لمصلحة الضرائب.
كذلك عقد الزواج الذي يوهم فيه «الزوج المفترض» الفتاة بصحة العقد المبرم بينهما كأن يتفق مع محتال ما على تأدية دور المأذون الشرعي أو يستغل سذاجتها بأن يعقد عليها بأي صورة غير رسمية ضاربا بذلك كل مبادئ القبول والإيجاب عرض الحائط مما يشوه الرباط المقدس بصورته المتعارف عليها معولا في ذلك على ثقتها المفرطة فيه وتصديق كل كلامه كأنه قانون لا رجعة فيه، وتصدم في آخر المطاف بانحطاط أخلاقه وانعدام إنسانيته عندما يتملص من كل مسؤولياته ويخلع قناعه، فلا تملك أي وسيلة لإرغامه على الوفاء بالتزاماته.
أيضا في حالات الشراكة والأعمال نجد العديد من الأشخاص الذين يستعملون نفوذهم ومعارفهم من المحامين والمستشارين حتى يصيغوا عقودا مليئة بالثغرات القانونية التي تتيح لهم الانسحاب والتملص من المسؤولية في الوقت الذي يرونه مناسبا لإنهاء العقد وتحميل الشريك الذي يكون في هذه الحالة «على نياته» بحيث يضع ثقته الكاملة في الطرف الأول دون الرجوع إلى ذوي الخبرة في العقود فيترك المجال بذلك للشريك سيئ النية لاستغلال جهله والإيقاع به في دوامة من الإجراءات والقوانين والثغرات.
في مثل هذه الحالات لا يمكن أن نتحدث عن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين فتصبح ظروف الأشخاص ونياتهم هي التي تتحكم في العقد وفي تنفيذه.
لطالما كان مبدأ حسن النية أساسيا في العقود إلا أن العالم في وقتنا الحالي محكوم بالبراغماتية ومبدأ «البقاء للأدهى»، الأدهى هو الأمكر والأقسى الذي يستطيع أن ينتزع منك كل ما تعمل من اجله دون الخروج عن القانون الوضعي لكن مع الاستخفاف بالقانون الأخلاقي والشرعي فيتم استعمال الحيل والخدع والضغط النفسي والمادي واستغلال وضعك المتردي للوصول إلى هدف معين كل حسب مصلحته دون الشعور بأي ذنب أو تأنيب ضمير، بالعكس يرى أن كل ما يفعله ذكاء وفطنة ويظن أنه مادام لا يمكن إثبات خطئه فهو في مأمن من التبعات.
زينة زريق