يقول المثل الصيني: حب البشر دون احترام يعني اعتبارهم حيوانات مفضلة، وإطعامهم دون حب يعني معاملتهم كحيوانات حقيرة.
ربما كانت أكثر وأشهر قيمة تنادت بها كل الأمم والشعوب بمختلف حضاراتها ودياناتها هي قيمة الاحترام بلا منازع، ثم تأتي بعدها القيم الأخرى مثل الحب والوئام وغيرهما، وأي حب هذا الذي يبني حياة مشتركة إن لم يحصن باحترام الحقوق لكل فرد وتقديرها، وأي وئام بين الناس يسود إن لم يعامل الإنسان باحترام إنسانيته وليس لونه أو جنسه أو منصبه أو انتماؤه، سواء استحق هذا الاحترام أو لم يستحقه هو وآراؤه ومسالكه.
ان يحترمنا شخص ما يعني أننا لا نقلق خلال أي لقاء أو مواجهة معه حيال احتمال أن يسيء إلينا لفظيا أو جسديا أو ينال من كرامتنا، يعني أننا نطمئن بأن نظرته إلينا هي نظرة تقدير وليست نظرة احتقار، وأننا سنخوض المواجهة معه ونحن على ثقة بأنه لن يتعدى تلك المسافة الفاصلة التي نحتفظ بها لأنفسنا ولن ينتهك مجالنا الذي نحتاجه لنشعر بحريتنا واستقلاليتنا فكريا وحسيا دون بلبلة أو مضايقات من الآخرين، ولن يدخل منطقتنا الخاصة إلا بإذن ودعوة يتوجب عليه أن ينتظرها منا، أما قبل ذلك فالحفاظ على تلك المسافة بين الأفراد هو أساس التعايش بسلام ووئام.
قد يكون الاحترام سهلا وسلسا وعفويا جدا، ولا نشعر بأنه فرض ثقيل علينا، خاصة مع أشخاص يتمتعون بمزايا وسمات شخصية وفكرية وإنسانية تجعلنا نكن لهم الاحترام بلا تكلف ولا مكابدة بل مع الكثير من التقدير والمودة والإعجاب.
لكن الجهاد كله يكمن في احترام أشخاص خلوا من تلك المزايا وامتلأوا بخصال سيئة إلى درجة القبح، هنا يكمن الاختبار الحقيقي لمقدرتنا على كبح رغباتنا الفطرية الجامحة في الرد على إساءات أولئك السيئين بما يشفي غليلنا ويرضي كبرياءنا.
وهنا تقاس درجة تحضرنا ورقينا.
وربما كان أصل الكلمة في العربية هو أبلغ معنى للاحترام الذي نتحدث عنه وهو عدم انتهاك مجال الآخرين إلا بإذنهم، فكلمة احترام جذرها الاشتقاقي اللغوي هو «حرم»، و«حرم» تعني «منع»، والحرام هو نقيض الحلال، والمحارم في ديننا هي ما حرم الله، وحين نقول أحرم الشيء فنعني جعله حراما.
والحريم هو ما حرم فلم يمس، ومنه جاء اللقب الذي يطلق على النساء في مجتمعاتنا العربية، باعتبارها فئة ممنوع مسها أو لمسها من غير المحارم.
والأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، سماها العرب بهذا الاسم لأنهم كانوا لا يستحلون فيها القتال، وهناك البيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام.
أما تكبيرة الإحرام التي نستهل بها كل صلاة فهي إعلان بالامتناع عن الكلام وكل فعل خارج عن أركان الصلاة وأفعالها.
ولعل زيادة حرف التاء على الفعل الثلاثي الأصلي «حرم» في الفعل «احترم» تبين لنا معنى التكلف والجهد في إنشاء تلك الحرمة مع الآخرين ومراعاتها وصونها.
عموما، فإن احترام الآخرين منبعه الأساسي هو احترام الذات والامتناع عن القيام بما يسيء إليها ويشوه صورتها ويقلل من شأنها أمام الآخرين. فمن فعل ذلك لا يصعب عليه معاملة الآخرين بما يعامل به نفسه.
يبقى العبء الأكثر مشقة والذي ترزح تحت ثقله معظم شعوبنا العربية، وهو ذلك الحاكم الذي يلجأ إلى فرض احترامه جبرا وكرها على شعبه بقوة سلطته.. وليس لأنه جدير بالاحترام.
twitter @mundahisha
email: [email protected]