بداية وبصراحة، فقد اقتبست العنوان من كتاب أجنبي اسمه «أيها الأطباء الأموات لا تكذبوا dead doctors don't lie».
هذا الكتاب يفضح جهل الأطباء حول العالم وتسببهم في وفاة ملايين البشر بسبب عدم إلمامهم بدور الغذاء كدواء وعلاج للأمراض بدلا من تلك الأدوية الكيميائية المسممة لأبدان البشر. قال عنهم انهم أموات، لأن هناك بحثا علميا نشر عام 1991 في مجلة طبية عالمية ذكر أن الأطباء أنفسهم بالعموم يموتون مبكرا، في حين أن المعمرين حول الأرض والذين بلغت أعمار بعضهم المائة وعشرين عاما لم يتبعوا في حياتهم تعليمات الأطباء.
هي قضية أخرى قد أخصص لها مقالا يشبعها تفصيلا وتمحيصا يوما ما. وأعود هنا للمعلمين الأموات، محور مقالنا وقضيته، فبحكم عملي تردني بشكل يومي تقريبا كتب رسمية من مديري ومديرات المدارس، وأصدم بل أكاد «أنجلط» من هول الأخطاء الإملائية التي نستقبحها من تلميذ في المرحلة الابتدائية، فكيف إن صدرت من رأس الهرم المدرسي خلط بين التاء المربوطة والمفتوحة، وبينها والهاء آخر الكلمة، وبين الياء والألف المقصورة، وبين الضاد والظاء، وبين الغين والقاف، فتكتب لي أن هناك مشكلة بأجهزة الحاسوب في المدرسة تتمثل في «إنقلاغها» فجأة أما أخطاء الهمزات فبلغت حدا مخجلا ومحزنا في الوقت نفسه. قد يقول من قائل ليست المديرة من تكتب تلك الكتب بل موظفات السكرتارية، وهو عذر أقبح من ذنب، فالمدير أو المديرة في النهاية هو المسؤول وهو من يعتمد الكتاب قبل تصديره إلى أي جهة. كل هذا كوم وأن يصدر من قسم اللغة العربية خطأ إملائي فاحش كوم آخر، فقبل أيام بعث لي أحد المتابعين في تويتر صورة للوحة تم إعدادها من قبل قسم اللغة العربية وعرضها عبر برنامج البوربوينت على شاشة المسرح أثناء احتفال في مدرسة ابنته، وفي اللوحة مكتوب بكل ثقة «فقرة الشعر من (إلغاء) الطالبة...» يا للهول لا وأزيدكم من الشعر بيتا، حيث رأيت بأم عيني وأبيها وخالاتها الأربع، أخطاء إملائية مثل هذه وأشنع في لوحات معلقة على جدار ونافذة مديرة مدرسة وحول ساحة العلم علما أن المديرة كانت معلمة لغة عربية سابقا كيف يحق لنا بعد ذلك أن نلوم الطلبة على تقهقر مستواهم اللغوي وفداحة أخطائهم الإملائية والنحوية، ما دام معلموهم أمواتا لغويا؟ فهل يملك الميت أن يمنح الأحياء شيئا؟
أشد ما أخشاه أن تصبح تلك الأخطاء في الكتابة أمرا مقبولا يستمرئه الجميع، فلا يخدش لهم إحساسا ولا يجرح لهم أذنا بوقعه النشاز، إلى أن يبلغوا مرحلة يتلاشى فيها حسهم اللغوي ويتساوى لديهم الصواب مع الخطأ، فلا تعود اللغة هي اللغة، بل مسخ لا ملامح له ولا هوية.
حين يكون معلمو ومعلمات اللغة العربية ومديرو ومديرات المدارس بهذا المستوى اللغوي المتدني، يصبح لزاما علينا أن نقرع أجراس الإنذار وبحدة لعل وزير التربية ينتبه من غفلته ويتخذ من الإجراءات ما من شأنه أن يحفظ للغة العربية في المخاطبات الرسمية سلامتها وهيبتها، وتحذير الإدارات المدرسية بشديد اللهجة من مغبة إصدار أي كتاب رسمي تشوبه تلك الأخطاء، بل وأطالب بأبعد من ذلك، بأن يتم اعتبار سلامة الكتب الرسمية لغويا وإملائيا ونحويا بندا رئيسا في التقييم السنوي لأداء هؤلاء المديرين والمديرات.
لكن المصيبة يا قوم أن الكتب الصادرة من مكتب الوزير نفسه والوكيل والوكلاء المساعدين وغيرهم من قياديي الوزارة، كلها تئن من نفس المشكلة، يعني «جيتك يا عبدالمعين عشان تعينني لقيتك يا عبدالمعين عايز تتعان».
[email protected] @mundahisha
email: [email protected]