في كتابه «حديث الديوانية» ذكر الأديب الكويتي حمد المحسن الحمد هذه الحكاية في ستينيات القرن الماضي عن رجل مسن كان جالسا في مزرعة لأولاده في إحدى مدن نجد، ورأى ثلاثة أغراب سمر البشرة يشتغلون في المزرعة، وحين سأل أحد أبنائه عنهم قال له: عمال جدد استقدمناهم من الهند للعمل بالمزرعة، فصعق الشايب وقال: «الله الأكبر، الأول كنا نروح لديرتهم نشتغل وندور الرزق، الحين يجون يشتغلون عندنا، يا سبحان الله، الدنيا تدور».
حضرتني هذه الحكاية وأنا أقرأ نكتة بعثتها صديقة عبر الواتس أب عن الهندي تسخر -كالعادة- من «غبائه وسذاجته».
والله لا أدري هل يفترض أن أتضايق، أم أضحك من «غباء وسذاجة» المساكين ممن يؤلفون تلك النكت معتقدين أنهم هم النوابغ والجهابذة والفطاحل والعباقرة وآيات زمانهم. لكني حقيقة لا ألومهم، فهم يقيسون العبقرية بالرصيد من الأموال، تلك الأموال من بحيرات النفط التي ولدنا ونحن نتنعم فوقها من غير حول منا ولا قوة، فتوهمنا أننا شعب الله المختار، وكل ما عدانا خلقوا ليخدمونا صاغرين، ونسينا أن من أجدادنا من كان يشتغل في الهند بائعا متجولا في طرقاتها أو ممتهنا أكثر الحرف تواضعا هناك طلبا للرزق واللقمة التي يطعم بها أهله وأبناءه في الكويت
أيها الساخر، يا من لا ترى في الهندي إلا أهبل يهز رأسه يمنة ويسرة ولا يفقه شيئا، اقرأ معي ما كتبته أنجيلا سايناي الصحافية البريطانية في كتابها «أمة من العباقرة» لعله يوضح لك حجمك الحقيقي في هذا العالم مقارنة مع حجم الهندي الذي تستهزئ به. تقول أنجيلا: «يشتهر الهنود والأفراد ذوو الأصل الهندي، أينما كنا نعيش في هذا العالم، بأنهم محترفون ومجتهدون ومهرة ومجدون ومهووسون بالكمبيوتر. الهند أمة من العباقرة والكادحين والمهرة. فنحو واحد من كل خمسة من إجمالي العاملين في حقل الرعاية الطبية وطب الأسنان في المملكة المتحدة من أصل هندي، وواحد من كل ستة علماء موظفين يحملون درجة الدكتوراه في العلوم أو الهندسة في الولايات المتحدة هندي، و38% من المهندسين العاملين في منطقة وادي السيليكون هم من أصل هندي، كما يدير الهنود 750 شركة من الشركات التقنية هناك».
وهذا ما رمى إليه جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند، حين أصر على أن يشمل الدستور الهندي هذه العبارة: «سيكون من واجب كل مواطن هندي أن ينمي المزاج العلمي، والمبادئ الإنسانية، وروح التقصي والإصلاح».
كان يريد أمة من العباقرة. فكان له ما أراد. حيث بينت دراسة حكومية هندية أن 36% من العلماء في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) و38% من الأطباء العاملين في الولايات المتحدة و34% من موظفي مايكروسوفت و28% من موظفي «آي بي إم»، و17% من موظفي «إنتل» هم من الهنود.
وللعلم، فإن من اخترع وصلة الـ usb هو الهندي «أجاي بهات»، ومبتكر معالج الحاسوب البنتيوم pentium الذي يعد ثورة في صناعة الحواسيب هو العالم الهندي فينود دام، ومخترع الهوت ميل الذي نقل العالم من البريد التقليدي إلى البريد الإلكتروني السريع هو المهندس الهندي صابر باتيا، ونائب رئيس شركة قوقل في أوروبا، ونائبة رئيس شركة قوقل لعمليات آسيا وأمريكا اللاتينية والمحيط الهادي، ومؤسس شركة i2 technologies العالمية للتكنولوجيا، كلهم من الهنود. حتى صاروا يلقبون بأنهم عرابو تقنية المعلومات والبرمجيات في العالم كله.
ولا تسع المساحة هنا للحديث عن نجاح الهند بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء، والمكانة المرموقة التي احتلتها في عالم إطلاق الأقمار الصناعية، وإنتاج السيارات، أما الماس فإن تسعة أعشار المستخدم منه في العالم مصنوع في الهند. وقبل ذلك كله، فالهند هي السابعة عالميا بمخزونات الأسلحة النووية.
أبعد هذا كله، نجرؤ على السخرية من الهنود؟ والله يا خوفي غدا حين ينزل مؤشر مخزون النفط لدينا إلى علامة (فارغ)، نعود لنعمل في طرقات الهند، وساعتها ربما يتداول الهنود النكت بينهم عن (كويتي ماكو مخ)
email: [email protected]
twitter: @mundahisha