«لو كنت أعرف أن طريق النساء يقودني إلى مثل هذه النهاية.. لما سلكته» بهذه الكلمات يدشن عبدالوهاب الحمادي روايته الجديدة «لا تقصص رؤياك».
قد تقرأ رواية عاطفية، أو رواية تحكي واقعا اجتماعيا، أو واحدة تفضح فسادا سياسيا أو دينيا، وقد تكون رواية مثيرة ملأى بالأحداث «الساخنة» أو العنيفة، من نوع (الأكشن).
ولكن ان يجمع كاتب ما كل هذه الصبغات في بوتقة واحدة بانسجام وتناغم لتشكل لونا روائيا بديعا متفردا.. فذلك هو الإبداع.
بحكم عملي كمدققة لغوية، أولاني عبدالوهاب الحمادي ثقة أعتز بها لمراجعة نص روايته هذه قبل الطباعة والنشر. لا أخفيكم سرا، فقط اضطررت إلى إعادة مراجعته مرات عدة، بسبب انبهاري بذكاء الصياغة وعمق الأفكار وثراء المفردات وجودة الحبكة ما خشيت معه أن أكون قد أغفلت شيئا من صحة الإملاء والنحو فيه.
هي رؤيا برتبة كابوس، كلما حاول صاحبها الهرب منها شدته إليها خيوط وخيوط حتى وجد نفسه عالقا بين ثناياها، تطارده وتطرد النوم من عينيه، وكلما وقع شيء ظن أنه تفسير لتلك الرؤيا، ساق إليه القدر أشياء وأشخاصا بأحداث غريبة ليحيوا الكابوس من جديد.
جرأة الكاتب هنا في فضح ما وراء الأبواب وكشف ما تحت الطاولات جاءت بعفوية مستساغة من غير تكلف أو ابتذال أو إسفاف. وبذكاء يجبرك على الإعجاب به، تلاعب في رسم المشهد، بحيث نصب عدة مجاهر بصرية من زوايا مكانية وزمنية مختلفة لتتجلى للقارئ عبر كل منها تفاصيل لم يرها من بقية الزوايا، حتى يصل بنا في النهاية إلى المخرج من تلك المتاهة بعد أن كادت أنفاسنا تنقطع وهي محبوسة تترقب بشغف وكثير من الترقب وربما الهلع ما ستتفتق عنه الأحداث.
الأبطال هنا ليسوا غرباء عنا أو من كوكب آخر، بل هم شخصيات لها أشباهها الحقيقية تعيش بيننا، وواثقة أنكم مع كل شخصية تقرؤونها في الرواية سيقفز فورا اسم حقيقي تعرفونه أمام ناظريكم، وكل حدث فيها سيجر معه من ذاكرتكم القريبة والبعيدة أحداثا بحلقات سلسلة متتالية، وقد تفتح جروحا لم تبرأ بعد في مجتمعنا.
روح ولمسات عبدالوهاب المعروف بشغبه ومشاكساته الفكرية العميقة والساخرة في آن واحد، لم تغب هنا، بل كانت بصمته التي تجعل طرف شفاهك يرتفع مبتسما بتلقائية كلما مررت بها. ويبقى سؤال الكاتب في مقدمة روايته «من يطارد الآخر، نحن أم الأحلام؟».. بلا جواب.
mundahisha@
[email protected]