بعثت لي برسالة رقيقة عبر حسابي في الإنستغرام الذي تتابعني من خلاله تطلب مني قراءة كتابها الأول واليتيم «شموع تكاد تنطفئ». تركته لي في مكتبة تجارية قمت بالتقاطه منها بعد أيام دون ان أرى وجهها.
للأمانة، كنت في تلك الفترة مشغولة جدا فظل الكتاب على الرف شهورا عدة ينتظر دوره للقراءة وسط عشرات الكتب المكدسة في مكتبتي، حتى انتابتني قبل أيام صحوة ضمير دفعتني إلى ترتيب تلك الكتب وتنظيمها، فوقعت عيني على الكتاب وانتشلته من بين الركام، ومع فنجان شاي (مزعفر) بدأت بقراءته.
الكتاب أصنفه سيرة شخصية لمريضة بداء الروماتويد المزمن، الذي بدأت رحلة معاناتها معه مذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها وحتى اليوم، علما أن الكاتبة مازالت شابة لا تتعدى سنها اليوم السادسة والثلاثين. استهلت كتابها بنبذة قصيرة لكنها كافية لترسم لنا صورة لطفولتها الجميلة المعافاة من كل مرض، وتصف حياتها (الطبيعية) آنذاك مثلها مثل أي طفلة في عمرها، فالمقارنات لا تأتي إلا حين يفقد أحد طرفي المقارنة ميزة أو نعمة يظل الآخر يملكها ويستمتع بها.
وانا أقرأ تجربة الكاتبة مع المرض، أبهرني وصفها الدقيق لمراحل تطور المرض مع ما يصحب كل مرحلة من ردود أفعال للكاتبة ومشاعر جسدتها بحروفها بكل شفافية وعفوية وسلاسة، شاغبتني الدموع وأنا أرى حجم صلابتها وإصرارها على المضي قدما في حياتها رغم شراسة أعراض المرض وتبعاته وآثاره التي تركت ندوبا ليس في جسدها فقط بل في روحها وقلبها أيضا، أكبرت فيها تلك الإرادة والعزيمة رغم مواقف الآخرين، القريبين منهم والبعيدين، والتي لم تكن مساندة لها في محنتها.
وثقت الكاتبة هنا كل ما تعاطته من أدوية بأسمائها الطبية والآثار الجانبية التي عانت منها إثر تناولها لتلك الأدوية فترات طويلة. كما ذكرت المراكز الطبية التي لجأت إليها في الكويت، وسردت سلبيات وإيجابيات كل منها بحيادية وموضوعية، تحدت شح المراجع العربية المختصة بهذا المرض وأسبابه وتداعياته، وراحت تنهل من علوم الشرق الأقصى بروحانيتها العميقة، وعلوم الغرب بشموليتها الحديثة.
حقيقة، هذا الكتاب ظلم إخراجا وتسويقا، وحسب رأيي بعد قراءتي له فهو يستحق مكانة أكبر وأبرز على رفوف المكتبات، ليطلع القارئ على هذه التجربة المرضية ونمط الحياة من زاوية المصاب بالمرض، وأظن أن مرضى الروماتويد سيستفيدون الكثير منه ومن النصائح التي أدرجتها الكاتبة لهم في الفصل الأخير من الكتاب. بل أجدني أذهب لأبعد من هذا وأرى ضرورة أن يجد طريقه إلى كل مسؤولي وقياديي وزارة الصحة بدءا من هرم الوزارة مرورا بأطباء قسم الروماتيزم، وانتهاء بالفنيين وطاقم التمريض المشرفين على علاج هذا النوع من المرض، لعل وعسى أن يأخذوا تلك الملاحظات بعين الاعتبار ويعملوا على تطوير المرافق والأجهزة الطبية وأداء الأطباء أنفسهم ليتعاملوا مع هذا المرض بحرفية أفضل وجدية أكبر مما هو قائم حاليا.
تقول الكاتبة: خلال بحثي في المواقع الإلكترونية الأجنبية عن حالتي المرضية، اكتشفت أن هناك ما يسمى بمجتمع مرضى الروماتويد على الإنترنت، يلجأ إليه المصاب فيعرف أنه ليس وحيدا بمواجهة هذه الآلام، وعبر هذا المجتمع الخاص يتبادل الخبرة والنصيحة والفائدة معهم في كيفية الحفاظ على استقلالية المريض في شؤون حياته، ما ساعدهم على اكتساب مهارات تعينهم على العيش بكرامة، وهذا ما نفتقده عربيا للأسف.
إذا كان هناك كتب تنتمي لأدب العشق، وأخرى لأدب الفكر والفلسفة، وأدب الرحلات وغيرها، فهذا الكتاب أعتبره ضمن أدب المرض، بل من أهم ما صدر فيه، ويستحق أن يترجم إلى لغات عدة للاستفادة من هذه التجربة ليس محليا أو عربيا فقط، بل على مستوى البشرية جمعاء.
@mundahisha
[email protected]