في شهر يوليو الماضي زرت مركزا للخدمات المجتمعية في مخيم جرش يخدم 500 يتيم فلسطيني من أهل غزة، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر الطفل العربي الذي دعيت إليه في العاصمة الأردنية عمان في الفترة ذاتها. تجولت بين مرافقه، أبواب متهالكة، أسقف مشققة، حوائط بهتت ألوانها، سلالم متصدعة تكاد تنهار تحت أقدام مستخدميها، فصول تفتقر لكثير من التجهيزات ووسائل الراحة وشروط السلامة، أطفال تتصبب أجسادهم عرقا في غياب المراوح وأجهزة التكييف. انتابني الحزن والضيق مما رأيت. ومن بين كل أعضاء الوفد المشاركين في الجولة من الجنسيات الأخرى شعرت بأنني الوحيدة المسؤولة عما شاهدته، وعلى عاتقي تقع مسؤولية تغييره إلى الأحسن. وظل هذا الأمر هاجسا أرقني حتى عدت إلى الكويت فبدأت بالعمل جديا مع الأخت إسراء المعتوق لتمويل مشروع ترميم وصيانة المركز وتأهيله لإيواء الأيتام بشكل يليق بهم إنسانيا ويلبي احتياجاتهم كافة وعلى جميع الأصعدة، صحيا ونفسيا وتعليميا واجتماعيا. وبفضل الله ثم بكرم أهل الكويت الذين جبلوا عليه وسخاء أياديهم استطعنا وخلال زمن قياسي تجميع المبلغ اللازم لإنجاز المشروع. وسيتم البدء بتنفيذه قريبا جدا بإذن الله.
المعلومة التي أدهشتني وتأثرت بها في الوقت ذاته، أن هذا المركز أسس عام 1978 أصلا بتبرع كويتي لم نكن نعلم به من قبل. واليوم يسوقني الله سبحانه وبعد 40 عاما لأزور نفس المركز مصادفة وأكون سببا في تنظيم حملة لإعادة ترميمه وصيانته وبتبرعات كويتية أيضا!
لعلها جينات تسري في دمائنا نحن أهل الكويت توارثناها عبر الأجيال تحركنا للبذل والعطاء ومساعدة كل محتاج وإن بعدت المسافات. لعله فضل حبانا به الله يستحق الحمد والشكر، وإلا فكيف حدث ذلك؟! بل كيف وصل أعضاء فريق همم شبابية الكويتي إلى معمرة أردنية تجاوز عمرها الـ 116 عاما كانت تعيش في خيمة بالية وسط الصحراء مع ابنتها البالغة من العمر 90 عاما ليمنحوها منزلا جاهزا تسكنه؟! كيف سخر الله لهذه الطاعنة في السن أناسا لا يعرفونها ولا تعرفهم، قطعوا مئات الأميال من الكويت خصيصا ليوفروا لها سقفا يؤويها هي وابنتها؟!
حين أخبرت صديقتي الأردنية بهذا الأمر ردت علي وهي مصدومة «كيف تمكنتم من الوصول إليها؟ كيف لم ندر بها وهي تعيش بيننا هذا العمر كله وعلمتم أنتم بأمرها!».
وكما قال السيد فواز المزرعاوي مدير مركز أيتام غزة خلال استقباله لنا مؤخرا: «الشعب الكويتي حالة نادرة في عالمنا العربي لم أشهد مثلها خلال عملي في المركز منذ 21 سنة».
أليس هذا فضلا من رب العباد يؤثر به من يشاء ليرفعه بين الخلق منزلة وأجرا وبركة!
هالبلد فيها سر، والسر فيها بعد الله.. أهلها الطيبون.