هناك أناس نراهم على شاشات التلفزيون في دول العالم الثالث بصفة خاصة وهم يقومون بالتصفيق والتهليل ومسح الجوخ للحكام وكبار المسؤولين، هؤلاء الناس هم الذين يصنعون الطواغيت في هذه الدول التي تعاني من الفساد السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي.
فعندما يرى الحاكم أو المسؤول أن المحيطين به يقومون بالإطراء والثناء على ما يقوم به من أعمال، مهما كانت تفاهتها، يعتقد أنه ملهم. ومع مرور الأيام يصدق نفسه ويبدأ في استغلال هذه الموهبة الفذة في إعطاء الأوامر والتعليمات في كل الأمور حتى يصل إلى درجة الزهو بنفسه ويصدق أنه حاكم فذ لا يقدر أحد على ما يقدر عليه، ويعتقد أنه منزه لا يخطئ.
والأمثلة كثيرة على مثل هؤلاء الحكام الذين ملأوا الدنيا ظلما وفسادا، منهم في منطقتنا العربية كل الحكام الذين قامت ضدهم ثورات الربيع العربي كما يسمونها، وهناك حكام من هذا النوع في عدد من دول أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، وإذا أردت أن تتعرف على هؤلاء بسهولة فعليك أن تتتبع تقدم أو تأخر هذه الدول، فتقدم الدول أو تأخرها يقترن بشكل كبير بسلوك الحكام تجاه الشعوب.
ومادامت هذه الطغمة الفاسدة حول الحكام موجودة، ستجد الفساد ينخر في هذه المجتمعات وسترى مدى التدهور في كل شيء، فالحاكم لديهم لا يستمع لصوت الشعب ولا يدري ماذا يدور في بلده لأن تلك الفرقة المحيطة به تمنعه من الوصول إلى شعبه وتمنع أفراد الشعب العاديين من الوصول إليه.
لقد لاحظنا خلال فترة الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر مثلا أن أتباع اللواء عمر سليمان عندما توجه إلى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لتقديم التوكيلات الخاصة بترشحه كيف كانوا يحيطون به بطريقة مثيرة للاشمئزاز، وشاهدنا على شاشات الفضائيات مدى الانبطاح من البعض للتوجه إليه محاولين لمسه أو السلام عليه وكأنهم عندما يلمسونه سيدخلون الجنة، رغم أنه لم يبال بأحد منهم وكأنهم غير موجودين أصلا.
وفي نفس الوقت كنا نشاهد أتباع المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل وكيف كانوا ومازالوا يتعاملون معه، أعلم أن هذا السلوك لا يرضي أبو إسماعيل نفسه ولكنه سكت عنه ولم ينهرهم على ما يفعلونه وكأنهم يقدسونه، فهو أولا وأخيرا مجرد بشر.
إن هذه النوعية من البشر هي التي تصنع الطواغيت، إننا لا نريد في المرحلة القادمة في مصر أن يأتينا حاكم يعتقد أنه لا يخطئ وأن كلامه أوامر ومن لا يطعه يدخل النار أو على أقل تقدير يدخل المعتقل، ولن نحقق أبدا هذا الأمل إلا إذا تمكنا من الشعور بأننا بشر متساوون في الحقوق والواجبات مع من يحكموننا وأن الفارق بيننا وبينهم أنهم يشغلون مناصب مختلفة.
إننا في حاجة ماسة لأن نفهم أن رئيس مصر لا يزيد شيئا عن أي فرد من أفراد الشعب المصري بل لا بد أن نعلم ونتعلم أنه مجرد موظف تم اختياره بدقة لكي يقوم بخدمة شعب مصر بأكمله.
نتمنى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه رئيس مصر خلال مؤتمر صحافي وهو يستمع لأحد منتقديه بسعة صدر ويكون هذا الصحافي على يقين بأنه لن يخرج من المؤتمر الصحافي إلى السجن أو المعتقل أو يخرج إلى حتفه.
يجب أن نتعلم أن منصب رئيس الجمهورية شأنه شأن أي منصب، ولا ينبغي أن يتعامل المصريون مع الرئيس على أنه شخص منزه وأن منصبه يعطيه الحق في أن يذل شعبه أو أن يقهره، وينبغي أن يعرف الشعب أنه هو المسؤول عن صناعة هؤلاء الطواغيت الذين حكموا مصر وتحكموا فيها على مدى ستة عقود.