ذكرت مجلة روز اليوسف في عددها الصادر يوم 3/3/2012 أن التقرير نصف الشهري الذي أصدرته المخابرات الأميركية عن فبراير 2012 انتقد فقدان السياسة الأميركية سيطرتها على مصر، ووصف التقرير الوضع الحالي بـ «نهاية عهد». وسجل أن المجلس العسكري المصري ومن ورائه الإخوان المسلمون والسلفيون وسائر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني قد كسروا العرف الأميركي في مصر الذي كان يعتمد على الطاعة العمياء.
وقد حذر التقرير الإدارة الأميركية من اللعب بملف المعونات الأميركية لمصر، على أساس أنها ضمن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. مبينا أن المصريين عقب ثورتهم تحرروا من كامل السيطرة الأميركية، وكشف أنه في حالة إلغاء المعونة الأميركية لمصر يجب على واشنطن تغيير معظم السياسات والتحالفات في الشرق الأوسط، مما يكلف الخزانة الأميركية 100 مليار دولار.
وذكر التقرير أن المصريين خرجوا من بيت الطاعة الأميركي عقب ثورتهم، وشهد محرر التقرير أن أميركا حاولت الضغط بكل قوتها على الإدارة العسكرية في مصر، كما فعلت الشيء نفسه مع الإخوان المسلمين بغرض إجبارهم على فتح حوار جانبي مع إسرائيل، لكنهم رفضوا وأعلنوا عن نيتهم لتعديل الاتفاقية في حال قطع المعونة.
وفى مفاجأة من العيار الثقيل كشف التقرير أن مصر رفضت مساندة شن الحرب على أي دولة بالعالم وأن القاهرة أخطرت واشنطن بعدم موافقتها على شن إسرائيل وأميركا حربا ضد إيران لأنها ستكون غير شرعية.
ورغم كل ما جاء في هذا التقرير الخطير من رعب وفزع من المواقف المصرية بعد الثورة، إلا أننا فوجئنا بالقرار الغريب برفع منع السفر عن عدد من المتهمين الأميركيين في قضية منظمات المجتمع المدني التي أصبحت في عهدة القضاء.
لقد وقعت الصاعقة الأولى في هذه القضية عندما أعلن القضاة الثلاثة الذين كانوا ينظرون القضية أنهم تنحوا عن نظر الدعوى وبدون إبداء الأسباب. ثم فوجئنا بالصاعقة الثانية أن هناك طائرة عسكرية خاصة هبطت في مطار القاهرة الدولي بشكل سري.
وبعدها وقعت الصاعقة الثالثة بصدور قرار برفع منع السفر عن المتهمين الأميركيين. ثم تفضل السادة المتهمون بكل حب وتوقير وتبجيل بركوب الطائرة الخاصة والتي أقلعت بهم إلى حيث يشاءون (عودة إلى ديارهم سالمين آمنين مطمئنين) وهذه كانت الطامة الكبرى.
كيف يمكن تفسير سلوك كهذا إلا أنه نوع جديد من الانبطاح للسياسة الأميركية التي أوضح تقرير المخابرات السالف ذكره أن مصر بعد الثورة أصبحت حرة بحق ولم تعد تلك الدولة التي ترضخ لكل ما هو أميركي أو صهيوني؟ أليس من الممكن بعد هذا السلوك المشين أن تهبط طائرة مماثلة في مطار القاهرة الدولي في سرية تامة ثم تقلع وعلى متنها حسني مبارك وعائلته؟ أظن أن هذه العملية قد تكون سهلة بعد نجاح عملية تهريب الأميركيين.
هل نعتبر هذه الخطوة تراجعا من قبل المسؤولين في مصر بعد أن ظننا أن ثورة يناير قد وضعت أقدامنا على أول طريق الكرامة الذي ضللناه منذ زمن؟ كيف للمسؤولين عن المرحلة الانتقالية أن يستهينوا بمصر والمصريين إلى هذا الحد؟ أليس هناك من ضابط ولا رابط لهؤلاء الذين يعتقدون أن مصر أصبحت ملكا لهم ورثوها من فاسدين ولابد أن تظل في أيدي فاسدين جدد؟
لابد أن يعلم القائمون على الحكم في مصر أن مسألة اتخاذ القرارات المنفردة يجب أن تنتهي إلى غير رجعة فمصر اليوم بها مجلس تشريعي لابد من الرجوع إليه في المسائل المصيرية، خاصة فيما يتعلق بالكرامة المصرية، ولا يتخذوا القرارات المصيرية دون الرجوع للشعب.
[email protected]