صدر حكم محكمة جنايات القاهرة في قضية قتل المتظاهرين والتربح من المال العام المتهم فيها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ونجلله علاء وجمال، وصديق مبارك الوفي رجل الأعمال حسين سالم ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من مساعديه والتي صدر فيها الحكم بالحبس المؤبد ضد كل من مبارك والعادلي وبراءة بقية المتهمين من تهمة التربح واستغلال النفوذ.
وقد أعرب الكثير من المصريين بكل أطيافهم عن عدم رضاهم عن هذا الحكم الذي جاء صادما للجميع. فقد كان المصريون، خاصة الثوار والمصابين وأهالي الشهداء، يتوقعون صدور الحكم بإعدام مبارك ووزير داخليته ومساعديه الستة على أقل تقدير إن لم يكن إضافة عدد كبير من قيادات وزارة الداخلية إلى قائمة المتهمين والحكم بإعدامهم أو حبسهم.
ففي جميع الأحوال لابد من الاعتراف بأن مبارك ووزير داخليته العادلي وعددا كبيرا من قيادات الداخلية هم المسؤولون عن قتل المتظاهرين السلميين الذين اقترب عددهم من الألف. فلم يكن يضير المحكمة لو قضت بإعدام مبارك والعادلي ومساعديه الستة كنوع من القصاص الذي أحله الله تعالى في محكم كتابه حيث قال: «ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون».
ورغم هذا ينبغي أن نقرر أمرا هاما وهو أن المحكمة لا ذنب لها في هذا الحكم لأنها قضت بما لديها من أوراق ومستندات وبما يقرره قانون الجزاء المصري. وقد كتبت في مقال سابق تحت عنوان «محكمة يناير» ما نصه:
إن أي شخص لديه اطلاع بسيط على قانون الجزاء المصري يستطيع أن يتوقع ما سيحدث في هذه المحاكمات الهزلية التي يقيمونها للفاسدين. فأنا أتوقع أن يحصل معظمهم على أحكام بالبراءة أو في حالة الإدانة أحكام مخففة جدا لن تشفي غليل من تأثر سلبا بفسادهم. إن توكيل محام جيد يتقن الترافع في القضايا الجزائية وله باع طويل في هذه القضايا كفيل بتحقيق هذا.
لقد طلع علينا محامي الرئيس المخلوع منذ أيام وهو يقول: إن ثروة حسني مبارك لا تزيد عن ستة ملايين جنيه مصري مودعة لدى أحد البنوك المصرية ومن لديه إثبات بأن لديه غير هذا المبلغ فليثبت لنا بالمستندات. هل يعقل أن يكون محام بحجم فريد الديب بهذه السطحية وهذا التضليل للشعب بعد أن اعترفت سويسرا بما لديها من أموال في حسابات مبارك وأسرته ببنوكها؟!
إن كلام المحامي الديب له وجهان: الأول أنه خبير بقانون الجزاء ويعلم أن القاضي الجزائي لا يحكم وفقا للأقوال المرسلة وإنما لابد من وجود مستندات ليحكم بالإدانة على المتهم، وان مجرد التفكير في الحصول على المستندات التي تدين مبارك في أعمال الفساد ضرب من الخيال.
إن المطالبة بتخصيص دوائر في محكمة الجنايات لمحاكمة مبارك وعصابته وعدم تكليف هذه الدوائر بأي قضايا أخرى لن يفي بالغرض ولن يشفي صدور الثوار أو أهالي شهداء الثورة، وإنما يجب أن يتم استحداث محكمة خاصة نطلق عليها اسم «محكمة يناير» تتشكل من هيئة قضائية من كبار المستشارين الذين لم ينحنوا يوما لأي ضغوط سياسية والشهود لهم بالكفاءة والنزاهة بحق على أن يتم محاكمة الفاسدين بقانون الثورة وليس قانون الجزاء العادي.
وأقترح أن يتضمن «قانون الثورة» بنودا جديدة ليست في قانون الجزاء المصري. منـــها مثلا أن يتم إعدام كل من ثبت أنه استغل منصبه السياسي في الحصول على منفعة لنفسه أو لغيره ممن حصلوا على أراضي الدولة بأسعار زهيدة جدا ثم قاموا ببيعها بالملايين والمليارات.
أما من قتلوا الثوار فليسوا معروفين جميعا بالاسم وإذا قررنا إعدام مبارك والعادلي على أنهما من أصدرا الأوامر للضباط والجنود بقتل المتظاهرين من الثوار فهذا لن يشفي صدور أهالي الثوار ولا الشعب المصري كله. ورغم هذا فإن إعدامهما فورا سيكون بمثابة تخفيف الألم لأهالي شهداء الثورة ومصابيها. وعندما يتم إعدامهما سترتعد أوصال كل من يفكر بعد ذلك في خيانة هذا الشعب. ولن تتكرر مأساة الحكم الفردي الظالم في مصر بعد اليوم.
هذا هو ما كتبته منذ عشرة أشهر وقد تحقق كله اليوم بحكم المحكمة الذي جاء مخيّبا للآمال ولكن يجب ألا نلوم المحكمة أو القضاة إنما يقع اللوم على قانون الجزاء وعلى الثوار الذين لم يصروا على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة هؤلاء المجرمين الذين أساءوا لمصر والمصريين وقتلوا أحلام الشباب وضيعوا مستقبل الأجيال مقابل مصالحهم الذاتية.
[email protected]