«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته».
يحضرني هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وأبوداود، وأنا أستعرض تاريخ مصر الحديث خلال الستين عاما الماضية منذ قيام ثورة يوليو 1952 وحتى ثورة 25 يناير 2011، والمتابع لهذه الحقبة يلاحظ ان معظم من تولى منصبا مهما في مصر خلال هذه العقود الستة لم يقرأ أو يسمع هذا الحديث الشريف أو انه علمه ولم يعمل به.
وهذا الحديث يضع على كاهل كل مسؤول في الدولة عبئا ثقيلا بأنه مسؤول عن كل من استرعاه ربه فيه، فالمدير في المؤسسة أو المصنع أو الشركة مسؤول عن كل عماله وموظفيه، والوزير في وزارته مسؤول عن كل من يعمل في الوزارة، والمحافظ مسؤول عن كل من يعمل ويقيم في محافظته، ورئيس الوزراء مسؤول عن كل الوزراء ومن يعملون في وزاراتهم، والقائد العسكري مسؤول عن جميع الضباط والجنود الذين يقعون في دائرة وحدته العسكرية، ورئيس الدولة مسؤول عن كل من يقيم في الدولة سواء من أهلها أو الغرباء عنها.
ولو نظرنا الى نظام الحكم في مصر على مدى الستين عاما الماضية نلاحظ أن معظم المسؤولين في مصر لم يكن لديهم هم سوى الحصول على منافع شخصية أو تنفيع معارفهم وأقربائهم، ويظهر هذا جليا واضحا في كم الفساد المالي والإداري الذي تعج به محاكم مصر في هذه الأيام خاصة بعد اندلاع ثورة 25 يناير.
ان «المسؤولية» التي عناها الإسلام والتي وردت في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم هي مسؤولية شاملة كاملة لخصها لنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: والله لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة لخشيت أن يسألني الله عنها لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر؟ فهذه مسؤولية الحاكم العادل في رعيته كما علمنا إياها الإسلام.
فأين كان حكامنا البواسل على مدى ستين عاما من هذا الشعب المسكين الذي عانى الفقر والجهل والمرض والذل والهوان ممن حكموه ولم يراعوا الله تعالى فيه طوال هذه السنين؟ لو حكم مصر حاكم عادل، لا أقول مثل الفاروق ولكن يحاول أن يتمثله في عدله، لكانت مصر اليوم دولة كبرى تناطح الدول العظمى.
ولكن الظلم الذي وقع على المصريين أوصل الملايين منهم الى النوم في المقابر والعشوائيات والأكل من الفضلات التي يلقيها البعض في حاويات القمامة بينما الحكام والقادة والمسؤولون ينامون قريري العيون في قصورهم الفخمة ويركبون السيارات الفارهة وينعمون بالأمن والأمان بالحراس الذين يتقاضون رواتبهم الضخمة من دافعي الضرائب المساكين.
وبعد كل هذا الظلم والقهر والسلب والنهب وبعد أن سقط النظام وأصبح عدد كبير من رموزه يقبعون خلف قضبان السجون لا نجد منهم حتى مجرد تعبير عن الندم عما اقترفته أيديهم من ظلم لهذا الشعب الأبي.
ان هؤلاء المجرمين الذين سلبوا ونهبوا ثروة مصر وجرفوا أرضها وباعوا خيراتها للصهاينة ليسوا مجرمين بالمصادفة وإنما هم «مجرمون مع سبق الإصرار والترصد»، فلو كان هؤلاء مجرمين بالمصادفة لما ترددوا لحظة واحدة في إعلان التوبة والرجوع الى الله وإعادة ما سلبوه وما نهبوه من ثروات مصر الى أصحابها، ولكنهم بالفعل «مجرمون مع سبق الإصرار».
وما يؤكد هذا الظن ان معظمهم قام بتهريب ما سلبه من أموال الى خارج مصر مما يؤكد النية المبيتة على عدم إعادة هذه الأموال كما أنهم يعلمون أنهم سيحصلون على البراءة من الاتهام باستغلال النفوذ والتربح من المال العام لأن القانون المصري لا يستطيع إدانتهم بالفساد إلا إذا ثبت بالمستندات أنهم حصلوا على هذه الأموال بطرق غير مشروعة، وهذا مستحيل.
وما دام ان هؤلاء الناس استباحوا حرمة المال العام بهذا الشكل ولم يراعوا الله عز وجل في شعب مصر فلا يملك المصريون سوى ترك الأمر كله لله يحكم بيننا وبينهم يوم القيامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
[email protected]