بيروت - ناجي شربل وأحمد عز الدين
مئات الأمتار تفصل الجيش الإسرائيلي عن مجرى نهر الليطاني عند جسر الخردلي، حيث توجد نقطة عسكرية للجيش اللبناني. أمتار تزيد الضغط على الجانب اللبناني في مفاوضات وقف إطلاق النار، وتطلق يد الجيش الإسرائيلي في تدمير البنى التحتية العسكرية الخاصة بـ «حزب الله» جنوب الليطاني.
وكشف مقربون من المفاوض الأميركي أموس هوكشتاين لـ «الأنباء»، عن ان «إسرائيل ستترك عقب انسحابها من لبنان بعد وقف اطلاق النار أراضي محروقة بالكامل، ترى فيها خير تطبيق من وجهة نظرها للقرار 1701، لإدراكها ان الجيش اللبناني لن يصطدم بـ «حزب الله» وكذلك قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» لن تقدم على هذه الخطوة».
وتحدث مسؤول رسمي رفيع واكب العهود الرئاسية منذ 1982 لـ «الأنباء» عن مشكلتين أساسيتين تعترضان الاتفاق بين لبنان وإسرائيل، والذي يسعى اليه هوكشتاين. وقال: «حلت المشكلة الأولى بقبول إسرائيل وبمسعى أميركي بمشاركة فرنسا في لجنة المراقبة. في المقابل، كشفت أوساط مقربة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عن ان لبنان سيقبل بمشاركة بريطانيا في اللجنة، بعدما كان وضع «فيتو»عليها وعلى ألمانيا. اما المشكلة الثانية، فهي إصرار إسرائيل على حرية الحركة من بوابة حق الدفاع المسبق عن النفس، ورفض لبنان ذلك بشدة».
وتوقع المسؤول الرسمي ان «تأخذ المرحلة النهائية التي تسبق الاتفاق وقتا، مع محاولة إسرائيل فرض شروطها بالقوة، أو بقوة الأمر الواقع، لذا تكثف اسرائيل عملياتها البرية وتدفع بألوية وفرق عدة مدعومة بسلاح الطيران الحربي والمروحيات. وما جرى ليل الجمعة - السبت في الخيام يؤكد اعتماد إسرائيل نهج التدمير».
كما توقع «ان تبادر فرنسا إلى الضغط على حزب الله عبر ايران للقبول بتسوية تعطي إسرائيل مزيدا من الاطمئنان، بحسب الجانب الفرنسي، وتؤمن في المقابل وقف النار وتاليا الحرب في لبنان».
واتفقت كل المصادر السياسية والاعلامية، محليا ودوليا، على ان الاتفاق بين لبنان وإسرائيل حول وقف إطلاق النار هو مسألة وقت، وان مسار المفاوضات والاتصالات هو وفقا للتعبير الشعبي في «ربع الساعة الأخير» من مشوار الحل.
وتبلغت رئاسة المجلس النيابي التي تتولى المفاوضات، من السفارة الأميركية في بيروت، في ختام محادثات الموفد الاميركي هوكشتاين في تل أبيب، بأن الأجواء إيجابية والمفاوضات على الطريق الصحيح.
ولم يتحدث هوكشتاين قبل مغادرته إسرائيل عائدا إلى واشنطن. كذلك امتنع المسؤولون الإسرائيليون الذين التقاهم عن الإدلاء بأي تصريح. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن المؤسسة الأمنية نصحت بالتوصل إلى اتفاق مع لبنان، مشيرة إلى ان القرار بيد رئيس الوزراء نتنياهو.
وذكرت مصادر الرئيس نبيه بري، ان الموفد الأميركي أعاد التواصل مع رئيس المجلس النيابي في عين التينة فور وصوله إلى واشنطن، ونقل أجواء إيجابية، مكررا ان الاتفاق قطع أشواطا، وأن الامور تقدمت لكنها مرهونة بالخواتيم. وذكرت أن الاتفاق ينحصر في إطار تطبيق القرار 1701، ولا خروج عن الأطر القانونية.
والتقت المصادر على أن الاتفاق في طريقه نحو النهايات السعيدة، إلا انها اختلفت على توقيت الإعلان، بين من يرى انه يمكن ان يعلن خلال أيام، او قد يستغرق أسبوعا او اثنين على الأكثر.
وقالت مصادر لـ«الأنباء» ان الموفد الأميركي سيتابع المهمة الشاقة التي بدأها من خلال الضغط على الطرفين لسد بعض الثغرات في بنود الاتفاق، وانه أبلغ الجانبين اللبناني والاسرائيلي ان وقت التوصل إلى اتفاق قد حان ولا يجوز الانتظار أكثر من ذلك.
على صعيد آخر، توقفت المصادر المقربة من بري عند ما وصفته بـ «الحملة الشرسة» على قيادته للمفاوضات. واعتبرت انها محاولة لاستدراجه إلى سجال لن يدخل في تفاصيله، وهو يدرك تماما ان البلاد في مرحلة حرجة ودقيقة، وان التلهي بالنقاشات الجانبية أمر لا طائل منه. ولوحظ ان أيا من المقربين من رئيس المجلس لم يشارك في هذه السجالات.
عسكريا، كشف قيادي سابق في «حزب الله» لـ «الأنباء» ان «الجيش الإسرائيلي يبحث عن انتصارات وهمية، ولم يتمكن حتى الآن من تثبيت نقطة له في مناطق تتواجد فيها المقاومة».
وردا على سؤال حول محاصرة الجيش الإسرائيلي بلدة الناقورة الساحلية بعد بلوغه البحر، قال: «كل الخروقات الإسرائيلية حصلت في مناطق لا تتواجد فيها المقاومة».
ونوه بالجيش اللبناني وما يقوم به ضباطه وجنوده لجهة تعزيز صمود الأهالي، مشيرا «إلى ان جيشنا موجود في مواقع مكشوفة لا تتيح له القتال».
وكانت بلدة الخيام شهدت أعنف المعارك بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي «حزب الله»، وتوزعت بين هجمات وهجمات مضادة.
وفي البلدات الحدودية ذات الأغلبية المسيحية أصر الأهالي على البقاء وعدم المغادرة، رغم فرض الجيش الإسرائيلي حصارا على القليعة ومرجعيون وبرج الملوك وقطع الطريق نحو جسر الخردلي من نقطة المحطة في دير ميماس. وقال أحد المقيمين: «هناك طريق إلى النبطية نتفادى سلوكها كون مقاتلي الحزب يطلقون الصواريخ من محيطها، في حين ان الطريق إلى حاصبيا لاتزال سالكة. وتقوم وحدات الجيش اللبناني بتأمين المساعدات والمواد الغذائية والطبية، وتتفقدنا باستمرار، ونثمن ما تتعرض له من مخاطر».
ومن العاصمة بيروت، تم استهداف منطقة البسطا الفوقا وسط بيروت فجر أمس بغارات استخدمت فيها صواريخ خارقة للتحصينات، أدت إلى تسوية عدة أبنية بالأرض. وفي البداية تردد أن المستهدف هو القيادي في «حزب الله» طلال حمية الملقب بـ «الشبح»، والذي خلف قائد قوة الرضوان ابراهيم عقيل في قيادة العمليات العسكرية للحزب. لكن هيئة البث الإسرائيلية قالت نقلا عن مصدر أمني ان المستهدف في الغارة هو محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله، بينما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أمني لبناني قوله إن «الضربة الإسرائيلية في البسطا كانت تستهدف شخصية قيادية» في الحزب.
وفي وقت تال، قالت مصادر أمنية إسرائيلية إن «غارة بيروت كانت تستهدف القيادي بحزب الله محمد حيدر لكنها فشلت». كما نقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر أمني لبناني، أنه «لا صحة لوجود قيادي من حزب الله بالمبنى الذي استهدفته غارة إسرائيلية في منطقة البسطا ببيروت».
وذكرت «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية اللبنانية، أنه تم انتشال 11 جثة بينها أشلاء، في حين أعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد «الشهداء إلى ١٦ والمصابين تجاوز ٦٣ شخصا». وجاءت الغارة على وسط بيروت مع استمرار الغارات العنيفة على أحياء في ضاحيتها الجنوبية.
إلى ذلك، كرر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أمس «التزام» الولايات المتحدة التوصل إلى «حل ديبلوماسي في لبنان» يسمح بعودة المدنيين إلى منازلهم على جانبي الحدود، وذلك خلال مباحثات هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
وأورد بيان لوزارة الدفاع «الپنتاغون»، أن أوستن أكد لوزير الدفاع الإسرائيلي أهمية ضمان سلامة وأمن الجيش اللبناني والقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل».