يدور حديث في هذه الأيام مفاده أن المجلس العسكري وافق على الثورة في بداياتها كنوع من التخفي وراء الانقلاب العسكري الذي كان يخطط له للإطاحة بمبارك ونجله نظرا لرفض العسكريين لتوريث الحكم لجمال مبارك لأنهم واثقون من عدم كفاءته ورعونته وأنه لا يصلح لإدارة دفة البلاد.
ولو سلمنا جدلا بصحة هذا الكلام فلابد أن نسلم أيضا بأن الثورة قد قامت وأن الشعب المصري قد نفض عن نفسه غبار الكسل واللامبالاة والصبر على الفقر والذل والمهانة وأنه قد أفاق بعد أن إصابته غيبوبة طويلة أراد الله لها أن تزول.
إذا كان البعض يروج لهذه الفكرة على أنها الحل الأمثل للخروج من مأزق المنافسة على رئاسة الجمهورية والتي وضعت مصر والمصريين في مأزق كبير بأن حصرت المنافسة بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ومرشح الفلول أحمد شفيق، فهي ليست حلا.
فالمجلس العسكري لا يختلف كثيرا عن مبارك وعصابته لأنهم أيضا شركاء فيما وقع من مآس في مصر على مدى عام ونصف العام هي عمر المرحلة الانتقالية التي يمسك فيها المجلس العسكري بكل الخيوط.
إذا كان المجلس العسكري يروج لهذه الفكرة فلابد أن ينساها أو يتناساها لأن الثورة قابعة في ميدان التحرير وإن لم يكن الثوار متواجدين في الميدان. إن ثورة 25 يناير لم ينطفئ وميضها ولم تنسحب من الميدان وإنما تنتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة من أحكام المحكمة الدستورية ونتائج الانتخابات الرئاسية وعندها يكون لكل حادث حديث.
لابد من أن يدرك المجلس العسكري أن ثورة 25 يناير ليست مجرد نواة لانقلاب عسكري يسلم حكم مصر مرة أخرى للعسكريين وإنما هي ثورة على أوضاع الفساد التي عمت مصر على مدى ستين عاما.
لابد أن نعترف بأن هذه الثورة العظيمة التي خرجت بشعار «سلمية.. سلمية» كانت ومازالت سلمية لأن المصريين لا يحبون سفك الدماء وليست لديهم رغبة في الانتقام ممن ظلمهم بدليل أن هناك فئات من الشعب المصري مازالوا يطالبون بحقن دماء من ظلموهم ونهبوهم وقتلوا أبناءهم وسفهوا أحلامهم وأحلام أبنائهم وأحفادهم.
لابد أن يعرف المجلس العسكري أن الوضع في مصر لم يعد يصلح لأن يسوسه «العسكر» ليس لعيب فيهم أو تشكيك في قدرتهم ولكن لأنهم لا يجيدون لعبة السياسة ولا يعرفون أوراقها وكل ما يجيدونه هو العسكرية ولا شيء غير العسكرية، ولا يعترفون سوى بإطاعة الأوامر وتنفيذها، وليس في مقدور أحد أن ينتقد تصرفاتهم أو يرفض تنفيذ أوامرهم، وهذا الأمر لا يصلح في السياسة لأن السياسة تتطلب المرونة وتسمح بالرأي والرأي الآخر.
إن ما يحيط بنا من مخاطر، من عدو في الشمال يهدد كل يوم بدخول سيناء بحجة أن مصر لم تعد قادرة على ضبط حدودها مع إسرائيل ومحاولات في الجنوب تريد السيطرة على منابع النيل وحرمان مصر من نصيبها في مياهه وما يحدث في الغرب من تهريب سلاح من ليبيا إلى مصر، كل هذا يجب أن يضع المجلس العسكري أمام مسؤولياته الحقيقية وأن يترك السياسة لأهلها ويسلم الحكم بأقصى سرعة لإدارة مدنية ويعود لحماية حدود مصر المهددة من كل جانب.
أما الحديث عن انقلاب عسكري كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعد له قبل ثورة 25 يناير فهو حديث مفترى لا يرقى إلى درجة الصدق أو الجدية لأنه يدل دلالة قاطعة على أن من يروج له لا يفهم طبيعة المصريين ولا يقدر الحالة التي وصلوا إليها من الإحباط بسبب الحكم العسكري الذي ظل جاثما فوق صدورهم على مدى ستة عقود.
وإذا كان لدى المجلس العسكري بالفعل نية للقيام بانقلاب على مبارك قبل ثورة 25 يناير لمنعه من توريث الحكم لنجله جمال فقد قامت الثورة الشعبية في مصر وأطاحت بمبارك وجمال معا وهو ما لم يستطع المجلس العسكري أن يفعله. فلابد من أن ننسب الأفعال لمن قام بها وليس لمن كان في نيته القيام بها. ولابد أن تنسب الثورة لشعب مصر العظيم وليس للمجلس العسكري. وليحذر أعضاء المجلس من الوقوع في هذا المأزق لأنه سيؤدي إلى انقلاب الثورة على رؤوسهم وساعتها سيحدث ما لا يحمد عقباه.
[email protected]