مر وقت طويل لم تلتقيه، وهو من كان مرشدها وشاهدا على تغيراتها في كثير من فصول حياتها. أنه معلمها، مرشدها وناصحها، تلتقيه كلما أرادت أن تتحدى نفسها نحو هدف أكبر، تتخطى صعاب أكبر أو تجاهد نفسها لمعالجة عواطف اشتدت سطوتها.
مرت خمس سنوات منذ آخر لقاء معه، تغيرت، بعد ذلك اللقاء، كثير من مشاهد الحياة وصورها، احتاجته كثيرا ولكن منعها ذلك الكبرياء الساذج من زيارة ناصحها ظنا منها أنها ستعود إليه بأخبار انتصارها قريبا بدلا من الذهاب إليه شاكية من قسوة الحياة.
حققت الكثير الكثير، وفقدت الكثير الكثير خلال تلك السنوات الخمس، لكن الهوة اشتدت وبدأ الملل يطبق على روحها وقلبها فاقدة متعة وشغف الحياة. فحان وقت اللقاء، وذهبت له بمشاعر مختلطة وعقل يضج بألبوم صور المرحلة وصمت يكاد يصم قلبها قبل أذنيها عن صوت الحياة.
بهدوئه المعتاد، ونظرته الهادئة العميقة التي استطاعت دوما اختراقها وكأنه يستطيع قراءتها كصفحة من كتاب مفتوح!
هو: مر وقت طويل يا ابنتي، ماذا اهدتك الدنيا وماذا اهديتها؟
هي (بابتسامة ساخرة): تقصد، ماذا أخذت مني بعد كل ما أعطيتها! لم تكن أجمل السنين، فلقد أخذ الموت العزيز ومزقت الغربة حبال ود كنت أظنها ستبقى، ماعاد للشغف وجود بعد أن كان عنوانا لحياتي، وحل الخوف ضيفا مقيما يعبث بالقلب والروح ويشل العقل. ما أسوءه من ضيف!!
هو: أحس بك يا عزيزتي. وأعلم ما مررت به من ابتلاءات الدنيا. ولكن، لم تجيبي على سؤالي: ماذا أهدتك الدنيا وماذا أهديتها؟
هي (مشوشة وغاضبة): قلت لك أخذت مني هذه الفانية الكثير، وأنت تصر على تبادل الهدايا! صفعاتها توالت كثيرا كثيرا ولم أعد أعرف نفسي أمام المرآة. جئتك لأنير شعلة الشغف التي كانت في قلبي يوما!!
هو: ابتلاءات الدنيا تصفينا من كل القشور والأقنعة، تزيل طبقة من الغرور الذي يحجب عنا يقينا أننا في كنف الحكيم الذي يعلم السر وما أخفى، لا أنكر خطب الدنيا التي انهالت عليك، لكنني أريد أن أسمع منك كيف حال قلبك وروحك الآن؟ أريد أن اسمع صوتهما وليس صوت عقلك ومنطقك التي، ظننت، أنك امسكت بزمام الدنيا باتباعهما.
هي (صامتة مدركة عمق السؤال): نعم، في أعماق قلبي أنا مرتاحة لحبال ود كانت تشدي للخلف بدلا من دفعي للأمام، وعمل ما عاد يثير في طموح أو شغف بل بدأ يغيرني لما لا أريد، وعلاقات كخيط العنكبوت هشة، أحس أنني أخرج من عنق زجاجة، الألم مبرح، ورغم إدراكي للفضاء الواسع، إلا أنني فقدت الثقة والشغف والرغبة. خائفة.
هو (متأثرا بها): كل ولادة، يسبقها حمل ثقيل، يتخللها ألم شديد، وتعقبها ولادة الجديد! قد يرافق الولادة بكاء لفقد الأمان والراحة والتعود، حتى نألف الجديد! أنت على أعتاب مرحلة جديدة من حياتك، في الفصل السابق، تخلصت من القديم غير المناسب لتتأهلي للجديد المناسب لك، حمل ثقيل أرهقك، وأنت الآن في مرحلة ألم مخاض لاستقبال فصل جديد من حياتك.
صمتت وأمعنت النظر في الفراغ كأنها تبصر نفسها من جديد، بريق خافت بدأ يتسلل في قلبها ويدفئ صدرها. وأيقنت معنى السؤال: ماذا أهدتك الدنيا وماذا أهديتها؟ وستجيب عن هذا السؤال قريبا.
[email protected]
www.growtogether.online