من وقت لآخر، يراسلني قرائي الكرام معلقين على مقالاتي، وكم أسعد بذلك، وكم أقرأ كلماتهم بحب وشغف. وفي أحيان أخرى تصلني تعليقات مستغربة أو مستنكرة أنني أنشر الفكر العلماني أو الليبرالي!
بالرغم من معرفتي بأصل الليبرالية وفصل الدين عن الدولة الذي بدأ بحجب سلطة الكنيسة، التي كانت تبيع صكوك الغفران في الأزمنة البعيدة، عن سيادة الدولة لتحريرها من سطوة رجالات الدين، فأنا أؤمن أن أصل ديننا الكريم الذي اعتبره دستور حياة، هو تجسيد لجمال الحرية الفكرية والليبرالية، لكننا فشلنا في تطبيقه عندنا سيينا هذا الدين الجميل، لذلك، سأعيد نشر مقالة قديمة لي بعنوان: ذكاء ديني.. لعلها تجيب على تساؤلات البعض واستنكار البعض الآخر.
«نحن نعيش في زمن فتنة مقنعة! الكل أصبح مجتهدا وديّنا وصاحب فتوى، ولا بأس في ذلك، ولكن البأس كل البأس عند البدء في تكفير الآخر وتنصيب البعض الآخر آلهة للحكم على قلوب ونوايا البشر ومصائرهم! أصبحت النصيحة فضيحة وأصبح الترغيب ترهيبا وأصبح الدين مسيسا وأصبحت رحابه ضيقة والسعة هي أصله.
لست عالمة ولست صاحبة فتوى، لكنني مؤمنة بأن أصل الأديان هو: اليسر والتهذيب والتسامح وتقبل الآخر، فكيف لدين أساسه: «لكم دينكم ولي دين»، «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء»، أن يكون دينا يدعو للكراهية والعصبية وتعنيف الآخر وترهيبه بدلا من جذبه وترغيبه؟!
كيف لي أن أكون صورة جميلة لدين أجمل وأنا استخدم العصا دوما بدلا من الجزرة؟!
كيف لك أن تتقبل مني شيئا وأنت تعلم أن جل تركيزي على أخطائك ونواقصك بدلا من جمال خصالك؟! كيف لك أن تقبل مني نصيحة علنية أحرجك فيها حتى أرسل لك رسالة أنني الأفضل والأحسن والأقرب إلى الله، فلقد اصطفاني بالعلم والتقوى عنك وأنا من قررت ذلك؟!
كيف لي أن أقبل فتوى لا تخاطب عقلي ولا تهذب جوارحي وتسكت أسئلتي التي أريد بها فهما أعمق وليس جدلا؟ كيف لي أن آخذ من الدين شكله وليس روحه؟ قابلت أناسا لا يقطعون صلاة في المساجد وفي الوقت نفسه لا يحافظون على موعد أو اتفاق مع البشر؟ صادفت أناسا يصومون عن المأكل والمشرب ويطلقون ألسنتهم بالشتائم والنميمة والكذب! صادفت أناسا يحورون ويسيسون الدين وفقا أهوائهم فيحرّمون ويحلّلون ما يرضي هوى جوارحهم وغرائزهم!
لا أنصّب نفسي حكما أو قاضيا، فلقد تنازلت عن هذا الدور من زمن لأنني مقتنعة أن أسمى جهاد هو جهاد النفس! لكنني أحب ديني وأحب كتاب الله الذي هو دستور حياتي، ومازلت جاهلة أمورا كثيرة فيه لثرائه، وأنا موقنة بأن سوء زماننا يرجع لسوء تطبيقنا لمبادئ جميلة يزخر به ديننا، فمرض ديننا الجميل لسوء تعاملنا به، لكنني ما تعودت ترك مريضي وأرجو ألا تتنازل عنه أنت أيضا.
وأخيرا أقول، عندما وصف الله صفيه الكريم الجميل، وصفه بالخلق العظيم: وإنك لعلى خلق عظيم».
[email protected]
rulasammur@